ما زلت لا أستسيغ التجاهل المتعمد لجميل مدينة أبي تلميت وأهلها، فبعد أن كانت مركز القرار، وحاضنة الثقافة،وقبلة اﻷجيال، وصانعة النخبة الوطنية بمعهدها المشهور..صارت غائبة عن كل شيء إلا عن:
■ أحاديث السابقين اﻷولين من المهاجرين واﻷنصار: من وهن العظم منهم وبلغوا من الكبر عتيا ؛ حين يستذكرون التاريخ الحديث لبلدنا أو يحاولون التأريخ له ؛ ولﻷسف قضى أكثرهم مرحوما.
■أذهان المسافرين على طريق اﻷمل، ممن سمعوا عن المدينة وأسرتهم محوريتها..
■ احتفالات الدولة (ممثلة في إعلامها الرسمي) باستقلالها الذي لا يمكن تخليده إلا بنشر أرشيف التسجيلات عن خيرة أبناء الوطن وأغلبهم ممن أنجبت هذه المدينة، كيف لا ؟ ومعالم هذا الوطن من دولة وجيش وعلم ونشيد ترتبط أيما ارتباط بهذه المدينة.
وبما أن الحكومات 'تتغير' والبلدان 'تتقدم' فليس من الغريب أن تدعو الدولة 'الجديدة' إلى:
☆إعادة كتابة التاريخ ؛التي قد تقتضي إتلاف تسجيل إعلان الاستقلال، وانسحابنا من الجامعةالعربية، وإلغاء انتمائنا لﻷمم المتحدة ..؛بحجة عدم وطنية من قاموا بذلك(من أبناء بتلميت)
☆تغيير النشيد والعلم؛ فهما لا يمثلان سياسة دولتنا ؛ فالعلم لا بد له من الحمرة التى لا يغذي أرواحنا -كجنود-غيرها ؛ والنشيد(كن للإله ناصرا..) يدعو إلى "النصرة" التى تقاعسنا عنها حين لم نقم الحد على 'المسيء إلى نفسه'، كما وتذكر (النصرة) بالثورة والنضال والتحرر ورفض القهر والاستكان(كما في الشام) و هي مفردات محظورة كل الحظر في دولتنا.
☆تعبيد طريق يتخطى المدينة ويزيد عزلتها لتنمحي من أذهان المسافرين واﻷجيال التي سمعت بها وبمعهدها ونخبها..بغض النظر عن حاجة بعض القرى والمدن الماسة إلى تشييد الطرق رغم تعطل مقومات حياتهم اليومية.
وتحت وطء طغيان هذه الدولة 'الجديدة' الساعية إلى صنع تاريخ جديد عنوانه" التجهيل، والتصفاك" أصبحت بتلميت اليوم خارج السياق وعلى هامش التاريخ والدولة؛ فالجيل اﻷول بلغ من الكبر عتيا ، والمسافرون خلت أذهانهم بعد تعبيد طريق يجنبهم زحمة المدينة ، واحتفالات الدولة بالرموز قيد التحديث والتغيير..