موغابي: نهاية مؤلمة لعزيز قوم ذل / محفوظ ولد السالك

شيخ رؤساء العالم، تسعيني العمر، أربعيني في السلطة، مصاب بالسرطان، لا يفيق معظم ساعات النهار، كان يطمح للبقاء في السلطة، حتى يكمل عامه المائة.
حين تحركت الدبابات على حين غرة مساء 14 نوفمبر بالعاصمة هراري، لم يعترضها الشعب دفاعا عن بقاء روبيرت موغابي، وحين أذاع أصحاب البزات العسكرية والنياشين بيان انقلابهم، لم يكن الشجب إقليميا ودوليا بمستوى حجم الحدث، وكأن الجميع كان ينتظر نهاية "الحيوان السياسي المفترس".

أقسم ذات مرة أن الله وحده هو الذي يمكنه أن يزيحه عن السلطة. يعيش أزيد من نصف سكان بلاد الفحم والذهب، زيمبابوي تحت خط الفقر، وقد كلف احتفاء موغابي بعيد ميلاده الثالث والتسعين، مليون دولار، وهو ذات المبلغ الذي تبرع به للاتحاد الإفريقي. تأخذه السنة، ويأخذه النوم في الاجتماعات، والمؤتمرات والقمم، وشوهد، وهو يتمايل ليسقط، جراء السكر.
تعشعش الأمية بمستوى مرتفع في صفوف غالبية الثلاثة عشر مليون نسمة، الذين هم عدد ساكنة بلاده.
يتعالج بمستشفيات سنغفورة، فيما تشكو مستشفيات زيمبابوي معاناة صارخة، اختارته منظمة الصحة العالمية مؤخرا سفيرا للنيات الحسنة، فرفضه الغرب، وأصدرت معظم دوله بيانات شجب وتنديد، وما لبث أياما حتى أقيل. كان يهيء لأن تكون زوجه غريس موغابي خليفته في السلطة، فأقال نائبه إميرسون منانغاغوا، فكان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، والنقطة التي أفاضت الكأس، فخرج الجيش إلى شوارع هراري على ظهر الدبابات، وأذيع بيان الإطاحة.
أكد الجيش أن ما قام به ليس انقلابا، وأنه لا يستهدف روبيرت موغابي، وإنما من وصفهم بالمجرمين المحيطين به، وقد نجح بذلك في تفادي فرض العقوبات، وفي إقناع الزيمبابوي بالخطوة.
وضع روبيرت موغابي تحت الإقامة الجبرية أسبوعا، ورفض الاستقالة، عزله الحزب الحاكم، وطرد زوجته غريس موغابي، التي كانت ترأس رابطة النساء بالحزب، خرج موغابي مخاطبا الزيمبابويين، فظنوه خطاب مودع، وإذا به يوصي خيرا بالزراعة، ويتطلع لرئاسة المؤتمر القادم للحزب، متجاهلا تماما ما يجري من حوله.
خرج ٱلاف الزيمبابويين إلى ملعب هراري، الذي امتلأ قبل عقود احتفاء بالمنقذ المخلص، ليدور الزمن دورته، ويغص ذات الملعب بالرافضين للدكتاتوري المفسد.
تحرك البرلمان لتفعيل المادة 97 من الدستور، لعزل العجوز موغابي، ليكون ٱخر العلاج الكي، وبينما النواب يواصلون إجراءات العزل، حتى أرسل موغابي خطاب استقالته من السلطة، قال فيه إنه ٱثر الاستقالة طواعية، ضمانا لانتقال سلمي وسلس على السلطة.
انتخب موغابي 7 مرات، وكان يسعى لمأمورية ثامنة، لم يتم التناوب على السلطة في عهده، فقد كان روبيرت زيمبابوي، وكانت زيمبابوي روبيرت، ظل مساره النضالي، والتحرري يتٱكل حتى إذا ما انتهى، نفد معه الملك، وانتهت السلطة.
طوى الزيمبابويون صفحة من تاريخ البلاد ما بعد الاستقلال عن المستعمر البريطاني عام 1980، صفحة من نظام حكم الفرد، لكنه لم يكن أي فرد، إنه أب الأمة الزيمبابوية، من أمضى عقدا من الزمن رهن المعتقل، وقاد البلاد إلى التحرر والانعتاق.
نجح روبيرت موغابي، الحامل لثماني شهادات جامعية بالحقوق، والقانون، والتربية، في أن يقود بلاده إلى السلام، لكنه فشل في إخراجها من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، التي ظلت ترزح تحت وطأتها.
لقد ارتبط اسم موغابي لدى الزيمبابويين بالنضال ضد العنصرية، والدفاع عن حقوق السود، ولدى الغربيين بممارسة العنصرية ضد البيض واغتصاب أراضيهم.
ولم تنعكس المقدرات الاقتصادية للبلاد على أوضاع وظروف ساكنتها، حيث إن نسبة البطالة بين صفوف الزيمبابويين تصل تسعين بالمائة.
لقد أمسى موغابي جزءا من تاريخ زيمبابوي، وجزءا من نضالها وثوريتها، سيظل خالدا بين الزيمبابويين، وإن ووريت حقبته، وطويت صفحته.

22. نوفمبر 2017 - 18:08

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا