لم يُفاجئني خبر اعتقال كتائب الارتزاق الممولة من أبي منيار قذاف الدم لك مرتين أولاهما في نواكشوط عندما كان كل موريتاني يتعرف على صوتك الشجي بسهولة كبيرة لأنه صوت رخيم يصل إلى القلب أولا ولأنه ثانيا وببساطة كبيرة صوت صدق يدخل بغير استئذان ولأن الكثيرين من أبناء وطنك تعودوا عليه خلال تغطية قناة الجزيرة لكأس العالم والذي واكبته من جنوب الجنوب.
وقد حاولت كتيبة الارتزاق في نواكشوط أن تشي بك كعادتها دائما في التعامل مع كل موريتاني لا تروقها مواقفه هكذا أتقنت تلك الشرذمة مهنتها الرديئة منذ زمن بعيد وما أظن وشايتها وحدها هي التي أوصلت إليك فعادة لا تثمر الأفعال الرديئة نتائج ذات قيمة.
وأما اعتقال كتائب أبي منيار لك ولفريقك فقد تأتَّى وأتاحته ظروف عملك الصحفي على خطوط التماس، وقد عرفتك غير هياب إلا للأفعال الدنيئة وفي آخر مرة كنت أستمع فيها لتغطيتك التي تحدثت فيها عن استشهاد ذلك الطبيب الليبي الذي كان يضمد الجراح ويداوي المرضى في ميدان المعركة فقد علمت أنك قد قررت أن تمضي في رصدك للأحداث إلى أقصى ما يمكن؛ وذلك شأنك دائما في إتقان العمل الذي يوكل إليك خصوصا وأنك تصف الدمار الذي أحدثته هجمات كتائب العقيد وعرفت أنك ترصد وتشاهد الحدث بصورة ميدانية لنقله كما هو بصدق وحياد.
إن العمل الصحفي بطبعه عمل متاعب ومخاطر وعندما اخترت عن وعي وظيفتك الرسالية في كشف الحقيقة وتعرية الباطل فقد قررت عن وعي أن تخدم الحقيقة وتنحاز للمستضعفين من أبناء الشعب الليبي الذين يواجهون دبابات يلسن وآليات الحزب الشيوعي الصيني في سحق ثورة الميدان الحر وسط بكين 1989مـ التي استلهمها أبو منيار في سحق ثورة شعبه.
إنك الآن في سجون القذافي تأخذ قسطا من المدرسة اليوسفية التي مر بها ركب الخالدين قبلك والمناضلين الأقوياء في تاريخ الإنسانية فهذه مدرسة تتاح علومها وفتوحها اللدنية للقليلين فقط ومن يدري؟ فربما تتيح لك الأيام أن تكون من قلائل الصحفيين العرب الذين يكشفون للعالم وجها آخر لليبيا لم يعرف من قبل وكل ليبيا التي نراها الآن لم تعرف من قبل، فقد اختفت منذ أكثر من أربعين عاما خلف العباءة المزركشة لأبي منيار.
لن أنسى حديثك البارع عن التفاصيل الدقيقة لسجن المناضل الإفريقي نيلسون مانديلا وقصة الصمود التي قادها وحديثك الممتع عن خصائص المجتمع الجنوب إفريقي وكيف كان العديدون منهم من يعبر لك عن فرحتهم باهتمامك الخاص بالنطق السليم لأسمائهم الصعبة والتي تتطلب إضافة حركات وأصوات ونبرات خاصة حتى يتسنى نطق أسماء القوم بصورة صحيحة وتلك تحديات نالت قسطا من حسك المرهف ففتحت لك القلوب.
نعم إنني على يقين من أنك الآن تتهجد في محراب قال أحد أبرز محييه في ليل العرب الحالك "ما يفعل أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري.. إن قتلي شهادة، وسجني خلوة، ونفيي سياحة".
إن أي صحفي مهني لا يمكن إلا أن ينحاز للشعب الليبي ويحاول إيصال الحقائق المتعلقة بثورته للعالم وذلك النداء لباه ضميرك الحر كيف لا وأنت من الذين قدر الله لهم عزف مزمار الحرية وتراتيل كسر القيود التي يرسف فيها الطغاة قبل شعوبهم.
إنك عندما قررت الذهاب للغرب الليبي على ما يحفه من مخاطر كنت تنحاز لثوابت المهنة الصحفية حيث السعي لكشف الحقيقة مهما أحاطها من مخاطر، كما كنت دائما نصيرا لضحايا الاستبداد السياسي الذي أهلك الحرث والنسل وقد ظل التصدي لِهَمِّ الحرية شغلك الشاغل حتى شهدت سقوط الطاغية قبل أعوام في موريتانيا عندما أدرج اسمك على لوائح الكتاب الواجب اعتقالهم 2005 أشهرا قبل سقوطه.
أما في تونس فلن أنسى حديثك لي عن اللقاء الذي أجريته مع قلعة صمود الحرية المحامي الجسور عبد الرءوف العيادي وكنت ساعتها تبحث عن معطيات دقيقة عن مقتل المواطن الموريتاني محمد ولد مقام وكيف حقق معك الأمن التونسي إثر لقاء العيادي تحقيقا طويلا وُفـــقـت بعده في التخلص من وساوس شرطة الطاغية التي لم تغن عنه شيئا.
أسأل الله باسمه الأعظم أن يحفظك ويقيك من كل مكروه آمين يارب العالمين.