لقد كثر اللغط وكثر الكلام عن قضايا عدة في الآونة الأخيرة كان آخرها الحكم الصادر على المسيئ ولد امخيطير الذي أساء إلى نفسه وإلى أهل هذا البلد عامة، المتابع للمشهد الإعلامي المكتوب والمرئي يرى تباينا في الرأي حول القضايا التي طرحت ولا زالت مطروحة للنقاش ألا وهي "المجتمع الموريتاني" والذي يحاول البعض أن يجعله بدعا من المجتمعات ونشازا من بينها في بنيته الإجتماعية، صحيح أن لكل مجتمع عاداته وتاريخه وثقافته الخاصة به،
والموريتانيون ككل الشعوب لهم ثقافتهم وتاريخهم الخاص بهم، والعجيب أنني أحيانا أتابع كتابات بعض من يكتبون عن المجتمع وينعتون شريحة من الشرائح بعينها بأوصاف غريبة وكأنها ليست من هذا الكون الذي يموج اليوم في تيه عجيب، الحقيقة أن الذي يكتب عن المجتمع الموريتاني الذي هو مجتمع يشترك جميع شرائحه في خصوصيته الثقافية والدينية ...إلخ ، ينبغي أن يكون ملما ولو قليلا بالتاريخ عامة والتاريخ الموريتاني خاصة فالتاريخ في جميع الدول يروي الكثير من حقائق الدول القائمة الآن والتي تحاول أن تجعل من نفسها نموذجا في الأخلاق والمعاملة الحسنة ،وهي حتى في العصر الحديث عكس ذلك، وهذا لا يحتاج إلى دليل.
أما ما أريد قوله بخصوص موريتانيا فإن المجتمع الموريتاني عاش ظروفا استثنائية في صحرائه تفرض عليه ما لم يكن حال بلدان أخرى،فنشأ في كنف تلك الظروف البدوية في بئته القاسية لا شك أن ذلك أثر على حياته الإجتماعية خاصة أنه لم يعرف الدولة الحديثة إلا قريبا، لكن الطبقية التي يتحدث عنها الكثيرين ممن يكتبون لم تكن وليدة هذا الشعب بل هي قادمة من أعماق التاريخ قبل أن يتبلور الشعب الموريتاني في صورته الحالية، ولم تكن الشعوب الأخرى التي هي مقاس الكثيرين منا بمنأى من هذه الظاهرة ولم يسلم منها أي مجتمع، فكيف يمكن أن تحاسب قوما على ما لم يفعلوا؟ وهل نستطيع محاكمة شعب على عرف تاريخي لم تصنعه أجياله لا الحالية ولا الذين يلونهم؟ ما الذي يسعى إليه الكتاب الذين يكتبون في هذا المجال؟ أحقا يبتغون إصلاحا؟ أم فسادا؟ إذا كنتم تبغون إصلاح هذا الوضع فعلا فعليكم أن تصدقوا مع الله أولا ثم مع أنفسكم ثانيا ثم مع شعبكم وبلدكم يا إخواني لا يمكن أن تربط الطبقية بقوم ولا بمجتمع ولا بدين فهي شيئ كامن في نفوس الناس يصنعونه عبر الأجيال وعبر التاريخ ويعطي الله بعض الخلق ما لم يعطه آخرين، ويمكن أن تتأمل خلق الدواب التي تعيش معك والنباتات تدرك أن الأمر لله لا دخل للخلق فيه أصلا فالنوع الواحد من الحيوانات تتباين ألوانه وخصائصه والذي يحبذ الناس منه الخصائص الحسنة لا اللون، والنباتات تتعد أشكالها وثمارها والذي تحبذ الناس منه الطعم والمذاق لا اللون، فكذلك البشر تتباين ألوانه وخصائصه وكل واحد من بني آدم يصنع مكانته في الناس من خلاله سلوكه الذي اختار لنفسه والطريق الذي يريد أن يسلك في منهج حيلته هو ومن خلفه من أبنائه، لكن هل علينا أن نقف عند التاريخ ولا نتجاوزه؟ وهل ذلك يخدمنا في شيئ من ضرورات حياتنا اليوم؟ وهل ينفعنا الكلام في هذا الواقع الذي نعيشه اليوم من صعوبات على كل المستويات؟
اعتقد أن علينا أن نعي ما نحتاجه اليوم من ضرورات حياتنا ونسعى لتحقيقه، بدل المهاترات والسباب والشتائم ،وكأن الواحد منا اليوم إذا نعت الآخر بأوصاف قبيحة يبدوا في نفسه وكأنه انتصر، لكنه في الحقيقة نزل للحضيض في أسلوبه، اعتقد أن علينا أن نتجاوز العقد النفسية والحواجز العقلية التي تؤخر ولا تقدم ،ونعمل سويا على صنع الدولة التي تجمعنا وتضمن لكل فرد منا حقوقه كاملة غير منقوصة كما ان علينا أن نفهم أن العادات المجتمعية لا تتغير بسن القوانين إنما تتغير مع تغير العقليات السائدة ولن يكون ذلك إلا إذا طرحنا العقد النفسية جانبا وعملنا في وطننا كي ينهض ويتجاوز أزماته السياسية والثقافية التي لا تخدم المصلحة العامة، أما المجال الديني فليس مطروحا للنقاش فالإسلام دين للبرية ليس لأحد احتكاره وهو الذي يضمن الحقوق كاملة لكل الناس.
كما ان إصلاح حال التعليم والإقتصاد يعينان على تجاوز الأزمات الاجتماعية، ودور النخبة التي تسعى للمصلحة العامة التأطير والتكوين والتحسين من قدرات الناس في المجالات العلمية والإقتصادية ما يجعل الناس تشتغل في أعمال تخدمها. أما غياب السلطة عن دورها في رفض المهاترات والسباب الشرائحي والطبقي، والعمل على تطبيق العدالة بين كافة المواطنين أمر لايمكن تفسيره.
وفي الأخير على الجميع أن يسعى إلى بناء الدولة التي تحقق العدالة للجميع وتقسم الأرزاق بين الناس وتقدم الخدمات لكافة المواطنين من جميع الفئات والشرائح والعمل على سن النظم التي تحمي حقوق الجميع وتحمي دين الشعب من الغلاة والجفاة بدل تغيير المجتمع وعاداته وتقاليده التي ارتسمت في مخيلة البعض وكأنها عقيدة مقدسة.