كيهيدي.. لحمتنا الوطنية نموذجا / عبد الفتاح ولد اعبيدن

جرت اليوم بكيهيدي الاحتفالات المخلدة للذكرى 57 للاستقلال في جو مشحون، حيث حظيت وقائع هذا التخليد بإقبال بشري ملفت للانتباه، كما أن السلطة المركزية والجهوية حشدت مقدرات معتبرة لهذا الحدث، الذي تميز بعرض عسكري مثير للإعجاب، ورغم الاختلاف إبان حملة الاستفتاء الدستوري، إلا أن التهديدات الصارمة والاهتمام الرسمي والشعبي حجب تقريبا كل صوت معارض للعلم المعدل أو النشيد الجديد، وعلى رأي البعض كان هذا الجو ضروريا لتعزيز هيبة الدولة

 وتماسك كيانها.
فوقت التصويت مهما حصل فيه، انتهى، ورفع أكثر من علم، لا معنى له إلا بوادر التقسيم، وهو ما لم يحصل لله الحمد.
حيث بدا الجمهور الحاضر منسجما متوافقا "ولو ظاهريا" على تبني العلم والنشيد، دون تسجيل أصوات نشاز، ذات حضور علني مؤثر.
بينما استطاع بعض المحسوبين على "أفلام" في كيهيدي ، محاولة رفع بعض الشعارات الاحتجاجية، ذات الصلة بما يسمونه الإرث الإنساني، وقمع هذا التصرف غير المأذون بسرعة وحزم.
وكان الطابع السائد – حسب ملاحظاتنا - شعبيا في كيهيدي والضفة عموما، مجسدا للتعايش الايجابي، المكرس للسكينة الاجتماعية والعلاقات الأهلية، المفعمة بالمودة وتبادل المصالح والاهتمام.
زرت كيهيدي يومين قبل ذكرى الاستقلال، ولاحظت بسهولة عمق الروابط الاجتماعية والتعايش الرفيع السلمي بين مختلف مكونات المجتمع الكيهيدي، كما لاحظت حجم الاهتمام الرسمي الكبير بهذه الذكرى، حيث تزامنت مع أول رفع للعلم المعدل وأول تلحين للنشيد الوطني الجديد.
كان الرهان الأبرز في هذه المرحلة لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز وحكومته، وإن تكلف وقتا وجهدا معتبرا لكسب هذا الرهان، لتمرير هذا المشروع الثنائي الحساس (العلم والنشيد) وغيرهما، إلا أننا اليوم بعد مرور هذا الاحتفال العالي الصوت ونجاح ولد عبد العزيز وموالاته في تجاوز هذه العقبة الكأداء، لنا الحق في التساؤل، هل يكفي وضع علامة خاصة مميزة على موريتانيا برمتها، وربما أوراقها النقدية لاحقا، لصنع التنمية والاستقرار السياسي والازدهار الواسع ، أم الأمر بحاجة لحسن تسيير المشاريع المدشنة المتنوعة، إبان الذكرى الـ 57 بوجه خاص.
ولعله من الموضوعي القول، إن الطابع الأهلي بكيهيدي ومستوى التفاهم والتسامح بين جميع ساكنته ومستوى الاهتمام الرسمي وما دشن من مشاريع عديدة في هذه المناسبة التاريخية الشيقة، قد يفتح المجال على نطاق أوسع لتحسين أحوال سكان ولاية كوركول، وكيهيدي بوجه أخص.
وإذا وضعنا في الاعتبار حساسية التنوع العرقي والشرائحي والطبقي وشيوع سوء تسيير المال العمومي، لدى بعض القائمين على الشأن العام والمالي منه بوجه خاص، وفقر هذا الشعب في أغلبه وضعف وعيه، كل هذا يدعو للتعامل بحذر مع المعطيات الوطنية العمومية الجامعة، وضرورة تعزيز التقريب واللحمة الوطنية، حتى لا تضيع فرصة تماسك وطن وتعايش مجتمع، بات يعاني، رغم فرص العمل والاستفادة من الثروات المتاحة.
مئات السيارات الفارهة ومئات الزوار من خارج الولاية، تواجدوا في كيهيدي إبان هذه الذكرى، ليشهدوا هذا الحدث، الذي اكتنفته رسالة أمنية ضمنية، متعددة الدلالات، من مفادها ربما، تماسك المؤسسة العسكرية وتحسن تكوينها وزيادة كمية آلياتها، مما قد يساعد على درء مختلف المخاطر الجهوية والإقليمية، على المدى القريب والمتوسط.
ومهما كان الأثر الايجابي لهذا الاهتمام الرسمي والتنموي والإعلامي لولاية كوركول والضفة عموما، إلا أن العقيدة الإسلامية المشتركة وتأثير الثقافة الإسلامية في هذا الوسط المتنوع الوطني العريق سيظل أكبر رافد للتعايش والاستقرار والتنمية في هذه الربوع الغالية، وسيظل بإذن الله نموذج التآخي والتسامح بكيهيدي مثالا يحتذى لديمومة وحدتنا ولحمتنا الوطنية الثمينة، والتي ينبغي أن ندرك رسميا وشعبيا، موالاة ومعارضة وما بينهما، أنها من أقدس مكاسبنا ومبادئنا بعد ديننا الإسلامي الحنيف.
قال الله تعالي: "إنما المؤمنون إخوة"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
 

29. نوفمبر 2017 - 1:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا