تمر بالأمم والشعوب لحظات من العقم القِيَمي ، تتوقف فيها الأمهات عن إنجاب " الكبار " ، فيصوح نبت الرجولة ويتعاظم " الأقزام " ، ويتطاول إلى قنن المجد من لم يرتفع إليها بسبب ،وينشغل الناس بأكثرهم " جعجعة " وإن من " غير طحين " ، فيَزوَرُ – أحيانا – بعض العظماء عن الجو الموبوء ، فينساه الناس وتتعداه حركة المجتمع المريض ، الذي يصبح أفراده متشابهين متقاربين في الخور والضعف المعنوي والأخلاقي ،
ولعل شيئا من ذالك قد حصل في بلاد المنكب البرزخي سنوات العسكر العجاف وهو ما جعل الثقة منعدمة في عموم الطبقة السياسية خصوصا جانب الموالاة منها مما ذهب برونقها وسلبها بهاءها ورُواءها وجعل مصداقيتها في خبر كان ، وأفقدها شرف التزكية فأضحى من يؤمن بالتغيير والإصلاح يفر منها فرار السليم من المجذوم .
قد يكون ذلك ما دفع أهل الجد لقبول الصورة المفبركة والمكذوبة الملصقة بحجم مكبر على جدار الدعاية الموغلة في الإسفاف والفجور الانتخابي عن الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله الأمر الذي حرم الأمة من قائد فذ مثالي هي بأمس الحاجة إليه وإلى أمثاله من الأوفياء المخلصين .
لم تنقطع عني الاتصالات المهنئة والمشيدة بخطاب العظمة والسمو الذي ألقاه الرئيس الرمز سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في قصر المؤتمرات ..
وكان من أهم ما أثار انتباهي هو اتصال من أديب كبير وكاتب صحفي مرموق ينتمي إلى مدرسة النضج المعرفي التي لا يتأثر أهلها عادة إلا بعظائم الأمور، اتصل الرجل باكيا يقول : ما هذا الرجل ؟! هل كان في هذه الديار الموبوءة ؟!
هل كنا حقا نجهل قدر رجل بهذه العظمة وهو ثاوٍ بين أظهرنا من زمن بعيد ؟! .
أما أنا فلم يفاجئني ذالك الخطاب إطلاقا ولم يزدني ذرة إعجاب في حق الرئيس الذي كنت كلما التقيته خرجت من عنده وأنا أردد – في نفسي – بيت أبي فراس :
سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
لحظة البوح
والآن جاء وقت البوح والوفاء للرجل الذي ظلم وجوزى (كما يجزى سنمار) .
أول ما لقيت الرجل كان أيام الحديث عن ترشحه عند ما طلب مني المقابلة بواسطة استأذنت الزملاء وذهبت إليه في داره وعند الباب استقبلني الرجل الوقور الهادئ ببسمة غير متكلفة وبأريحية وحسن خلق ، ثم دخل في الحديث عن ما دعاني له وهو التفكير بجد في الاستجابة لطلبات كثير من الزملاء الضاغطين من أجل إقناعه بالترشح للرئاسيات وأنه من خلالي يريد إيصال ذلك للإخوة في " مبادرة الإصلاحيين الوسطيين " ، وصرح لي بأنه لا يعرف عنهم الكثير ولكن كل من يؤمن بقيم الديمقراطية ويقبل الدستور ولا يلغي الآخر يتشرف بدعمه وهو مستعد للشراكة معه .
اكتشفت من خلال الحديث أول وهلة والردود ثانية أنني أمام شخص غير عادي ليس ذكيا فقط ولكنه سريع البديهة أيضا ، كما رأيت الرجل يتشح بالصدق ، ويدرع بالشجاعة الأدبية ؛ فالجرأة التي عبر بها عن عدم معرفته الكثير عن تيار وطني فاعل ومؤثر خارج لتوه من معارك وصدامات مع النظام دامت لعدة سنوات تنم عن الشفافية والوضوح .
تذكرت عند خروجي من لقائه قول المتنبي:
"...فلما التقينا صغََََََََََََََََر الخبَر الخُبر "
وقد عدت لزملائي بغير الوجه الذي ذهبت به قائلا : "الحمد لله الذي جعل البلاد أمام خيارات أهلها في عمومهم مرضيون ".
تشرفت بالبقاء على تواصل مع الرئيس طيلة الفترة التي حكم فيها البلاد فكنت في كل مرة ألتقية أزداد إعجابا بخصال جديدة تتكشف لي ، ومن أهم ما عرفته فيه – على وجه الإيجاز-
1 التواضع :
يحس بذلك كل من لقي الرئيس سيدي فلم تتبدل أخلاق الرجل أو تتغير، فلم نكن نحس بأنه يصطنع أبهة الملك أو نزغ شيطان الكرسي بل اكتسي جلباب التواضع والخلق الرفيع ،أذكر أننا في لقاء لمجموعة من الأحزاب به في القصر الرمادي سأله أحد أصدقائه القدامى عن قرية لمدن وهل كان لها من المطر حظ ؟ فأجابه في عفوية ظاهرة : " سمعت والحمد لله بأن شيئا منه نزل على بعض المدن ك "باسكنو "وازويرات " هذه الأيام " !
كان في السؤال طعن مبطن فيه كرئيس لكل المدن والقرى الموريتانية ، فأجاب عنه بتلك الإجابة المسكتة ولم يتغير وجه الرجل ولم ينتبه أحد إلى أن طعنة ما قد وجهت إليه.
ومن ذلك عطفه على الضعفاء واهتمامه الشخصي بأمورهم فقد رأيته في اليوم الثاني من غرق الطينطان وقد أربك الحرس بإصراره على السماع من المواطنين المنكوبين مباشرة فكانوا يصطرخون والرئيس يتودد لهم أن نظموا كلامكم وسأستمع لكل واحد منكم .
وحدثني مدير ديوانه :أن أحد المواطنين الضعاف كتب يطلب من الرئيس تذكرة حج فلما اقترب سفر الرئيس إلى الحج أمر بجعل ذالك المواطن من ضمن الوفد المرافق له ولكم أن تتخيلوا فرحة هذا الضعيف المحتاج.
2- القوة والحزم
فجور الخصوم في الحملة الانتخابية 2007 أثبت لدى الموريتانيين ضعف المرشح سيدي ولد لشيخ عبد الله ، وقد وصلت آلة الدعاية في ذلك حدا رهيبا أخاف الناس من رئيس قادم لا هو في العير ولا في النفير عاجز بين شُلل من دوائر النفوذ كلما انفردت به إحداها أخذت من الكعكة ما تريد ولكن الرئيس ومنذ الوهلة الأولى أبان عن استقلالية في الرأي ورجاحة في التدبير قل نظيرها ، فرغم الضغوط عليه أيام الحملة لم يعط أي التزام لفرد ولا لمجموعة قبل الشوط الثاني .
وكان قوي الشكيمة والإرادة ؛ حيث من الصعب على أي كان أن يوجه الرئيس إلى غير قناعته رغم قدرته الفائقة على الاستماع والإصغاء ،لقد قال لنا يوما إنه يود ألا يضيع الوقت على الموريتانيين وأن يعرفوا سريعا ما إذا كان بإمكانهم أن يمضوا إلى الأمام أو يتقهقروا إلى الخلف عرف ذالك كل من تعامل معه بشكل مباشر ولنا قصص وروايات من ذلك لم يحن موعد تسجيلها .
3 - وضوح الرؤية والكفاءة .
الرئيس سيدي من أفضل الكفاءات الوطنية وأكثرها جلدا وصبرا على العمل المتواصل الدءوب وقد وهبه الله رؤية ثاقبة ووضوحا في التصور ينتهي بك لأقصى الإعجاب .
يعرف تفاصيل حاجات البلد ، ولديه القدرة الفائقة على التنظير المقنع في ذالك ،
يسكب في رُوع المستمع إليه ضرورة رُسو ِسفينة الوطن على " جودي " الديمقراطية والتنمية " .
وهو " باري القوس " حين يأخذ القلم كاتبا ومحررا .
وإن تشأ عجبا فاحضر اجتماعا يديره الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ، وحذار أن تغفل عن ولعه بمعرفة تفاصيل الهموم المختلفة للوطن ثم بارك عليه في حافظته التي تدون كل التفاصيل رغم تشعبها الممل !
4إيمانه العميق لحد التصوف بالحرية لكل أبناء هذا الوطن وضرورة تعزيزها مهما خالفت هواه ، أذكر أنه استدعاني مرة والمعارضة تزمع القيام بمظاهرة منددة بارتفاع الأسعار وسأني إن كان بالإمكان تأجيلها أو إلغاؤها وعند ما أجبته بأن الأمر قد تجاوز مرحلة المراجعة وأن قراره قد صدر وحدد توقيته ولا يمكن التراجع عنه صمت لبرهة وأجابني إذا كان ما ستقومون به موافقا لقوانيننا فإن وجودي هنا هو لحراسة ما توفر من حرية لكافة أبناء الشعب وإن تمت مخالفته فلدى الجهات الأمنية كامل الصلاحية في أخذ التدابير اللازمة ،وكانت نفس الكلمات أيضا أيام الإضراب المحرج الذي أقامته نقابة التعليم الثانوي، كنت أحس أيام عرض الرئيس علينا الدخول في الحكومة أنه لا يمانع في أن يحتفظ كل حزب بخصوصيته خارج الحكومة وذالك لعمري مربط فرس الحرية والإيمان بها : أن تقبل غيرك كما هو لاكما تريد أنت !
5إيمانه العميق بالوحدة الوطنية والمساواة ؛ أقسم مرة أنه كان ينوي ترشيح مسعود ولد بلخير لرئاسة الجمعية الوطنية حتى ولو لم يدعمه في الشوط الثاني إذ إن موريتانيا بحاجة لكافة أبنائها متساوين ،كما كان ينوي إدخال إبراهيم صار الحكومة لولا بعض الشروط التي تمس الدستور ، وكان يرى أن الحلم الوطني سيتحقق إذا ما نجحنا في تسوية ملفي الرق والمبعدين .
6_ التدين
أما تدين الرئيس سيدي فقد جعله كلمة باقية في خلفه من الرؤساء " لعلهم يتقون " وسننا – حسنة – خالدة يذكر الجمهور أمثلتها .. وسيبقى مسجد القصر توقيعا ضخما من سيدي على الحياة العامة يحدث عن مركزية الصلاة في اهتمامات الرئيس جنبا إلى جنب مع قضايا الأمة ومصير الوطن .واليوم على الجميع أن يقف وقفة إجلال وإكبار لرجل عظيم أكبر القيم العلوية من شهامة ورجولة وإباء و وفاء وحافظ على قسمه وبر بيمينه فما وهن لما أصابه من ضراء التشويه وسوء المعاملة وتجلد لحظة الشدة ولان كالحرير لحظة العطاء فأسرع لتفريج كرب شعبه بعد أن أعاد القطار إلى سكته
لكن إذا انتشر الضياء ومزقت بيد الجموع شريعة القرصان
فلسوف يذكرني ويكبر همتي ...من كان في بلدي حليف هوان
وآخرون لهم بلاء
ولله در الشدائد التي عرفتنا على رجال ونساء مخلصين لهذا الوطن تشرفت
بالتعرف عليهم فكانوا إضافة رائعة لمعارفنا وأملا مبشرا بخير على طبقتنا السياسية
جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها إلا لأني ...عرفت بها عدوي من صديقي
من أين أبدؤهم ؟ ومن يكونون ؟ قائمتهم طويلة ولكن سأقتصر على أهل عادل
فأذكر الوجيه الاجتماعي المرموق والإطار الكفء رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي أحمد ولد سيدي باب الوطني المخلص الخلوق الذي قال "ربي السجن أحب إلي " والوزير الأول يحي ولد الوقف.
وأذكر الوزير الأمير المقدام الأريحي بيجل ولد حميد فله من التقدير بقدر ما فيه من الخصال الوفيرة أما با علي إبرا فكان شامة النضال بتضحية واقتدار وبسمة لا تفارق محياه البشوش في أحلك الظروف
أما الأديب الأبي يحي ولد سيد المصطف الذي علم الأمة كيف يكون الوجيه الإداري والرمز الاجتماعي والوزير المثقف ليثا هصورا إذا حمي الوطيس فله من الإكبار بقدر ما فيه من شجاعة وإباء .. بدون تأخير للمناضلة الكبيرة العزة بنت همام .
أما الأخت فاطمة بنت خطري فقد كفاني إكبار عموم الموريتانيين لها الثناء عليها وإن نسيت فلن أنسى السياسي الوقور موسى فال والذكي الذلول ببها ولد أحمد يورا ولا الألمعي الكفء الداه ولد عبد الجليل ، ولو لم يكن محمد ولد ارزيزيم وزيرا لأطلقت عليه من أوصاف الثناء ما هو به جدير حيث ضرب أروع الأمثلة في مقاومة الإغراء بالمنصب وسحب السيارة ولم يتزحزح عن قناعته ولم يبرح موقفه كل أولئك التقينا وإياهم في أزكى الساحات وتحالفنا وإياهم في أنبل ما يتحالف الناس فيه ألا وهو مقاومة الدكتاتورية واستعادة الحريات العامة ولن يعكر ذالك اللقاء دعايات وأكاذيب " المرجفين في المدينة "