احتفوا أو احتفلوا بذكرى مولدك، سموها عيدا أو ذكرى لايهمني، فأنا مقصر في حقك مهما احتفيت أو احتفلت. فأنت -صلى الله عليك وعلى آلك وصحابتك ومن والاهم وسلم - من علمني كيف أحب وكيف أحتفي وكيف أحتفل. بيني وبينك أربعة عشر قرنا ولم أكمل بعد تهجيتي لسيرتك العطرة.
أخبرني مستشرق أوروبي كتب عن حياتك أنك ذات عصر في مسجدك في المدينة المنورة قبيل وفاتك شوهدت آثار الحصير على جانب صدرك الشريف من الأسفل والخلف فبكيت كثيرا لأني كنت أقرأ كتاب الرجل وأنا على أريكة في القرن الحادي والعشرين.
سيدي وحبيبي لم يقصر العلماء في إيصال سيرتك إلي، لكني بفضل الله أكوّن في مخيالي كل يوم صورة عنك، وأركب الصور حول صحابتك الكرام. أعرف "يعفور" حمارك الذي أهداك الملك القبطي وأحب الحمير من خلاله وأعلم أنك كنت تحب أم أيمن المحظوظة رضي الله عنها وتقول لها: أنت أمي بعد أمي.
وفاؤك لخديجة هو الحب وهو الطهر وهو العفاف، وعلاقتك بزوجاتك هي الأناقة وهي العدل وهي الإنصاف.
بيتك المحدود الغرف في المدينة المنورة هو أكبر نور عمراني في تاريخ البشرية، فيه الخير كله؛ تعظيم شعائر الله والإيثار وقيام الليل والطهارة والطيب والطيبة والرحمة والمودة.
يقول بعض معاصرينا لنا اليوم إنك إرهابي وإنك تحث على التطرف ويرسمون رسوما ساخرة منك ليستفزونا لكننا مقصّرون في إفهامهم كيف أصفحت عن أطفال الطائف حين خيّرك رب العزة والجبروت سبحانه وتعالى عبر ملك الرسالة جبريل عليه السلام من ضمن ماخيّرك أن يطبق عليهم الأخشبين ففضلت الصفح آملا أن يزداد بهم المؤمنون.
أنت ياسيدي وشفيعي منبع العفو ومنبع التسامح ومنبع الشفاعة...آه لو تمكنت من إعطاء صورة تقريبية لهم عنك.
وفاؤك لمكة المكرمة وحبك للمدينة المنورة قصة حب بين إنسان ومكانين ضن الزمان بمثلها. اصطفاؤك وإسراؤك ومعراجك وحربك وسلمك ويومياتك هي حياتي ومصدر إلهامي. كل شيء فيك يذكي نار الشوق في إليك، أحب مُدّاحك لأنهم غنوا باسمي وأحب صحابتك لأنهم أفضل مني وأحب آل بيتك وتابعيك لأنهم أوصلوا صحاح حديثك إلي.
السلام عليك ياسيدي يارسول الله يوم ولدتَ ويوم بعثتَ فأنا من قوم يعتبرون الصلاة عليك قبة عظمى، يفتتحون ويختتمون بها أدعيتهم ويطلقون أسماءك على فلذات أكبادهم.
ياسيدي أنا من دهر أتباعك فيه يعيشون فتنا وفرقة ووهنا وضعفا. أنا في زمان لم تعد العلاقة فيه مع الله سبحانه وتعالى كما كانت، تغير فيه الملبس والمأكل والمشرب والمحراب والمركب.
أحبك وأحتسي القهوة، وأستن بسنتك وربطة العنق تشنقني، أدخل الطائرة وأدعو -ما استطعت- بأدعيتك حين كنت تعتلي "القصواء" وأعتنق الحرية لأنك حررتني.
المرأة أنت قدوتها والرجال قويهم وضعيفهم أنت سيدهم والتنمية أنت رائدها والعدل والرحمة أنت لها، فدهرنا يحتاجك ويتطلع لتعاليمك ونورك.
لم يساعدني دهري على أن أنال حظوة الصحبة والجهاد في سبيل الله معك ولا أن أخدمك عن قرب، لكنك فتحت لي الباب واسعا لكي أكون إيجابيا رفيقا رحيما طاهرا برا توابا. علمتَني أن مكارم الأخلاق مرتكز للبعثة وأن للإيمان شُعَباً.
كنت تريد للعالم أن يعيش بسلام فأنرت الدرب ونشرت الإخاء وحطمت الأغلال. يظنون أني مسلم بالولادة فقط ولذلك ورثت حبك وأنا رأيت بعدك فيك ما جعلني أفضلك على غيرك، اصطفاك الخالق لتكون بشيرا ونذيرا وأوتيت النبوة والشفاعة.
فالسلام عليك يا سيدي يا رسول الله.