تثير العملية العسكرية المتواصلة بين الجيش الموريتاني وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والتي تعددت سوحها ما بين مقاطعة اركيز وكيلومترات من قرية معط مولانه، ومدخل مدينة نواكشوط، ومركز لكصيبة الإدراي موطن المواجهات المتواصلة لحد الساعة حسب آخر المعلومات الشحيحة المتوفرة عن العملية، تثير الكثير من التعليقات والأسئلة، بالنسبة لكل أطرافها، وأهدافها المعلنة و غير المعلنة.
فهي تأتي بعد فترة يسيرة من تأكيد الحكومة الموريتانية على لسان وزيري الداخلية والإعلام أن زمن "غزوات القاعدة لبلادنا قد انتهت" وحان وقت غزو القوات الموريتانية لها في عقر دارها، ونقل ميدان المواجهات إلى معاقل التنظيم بعيدا عن أماكن الخطر في قلب المدن، وداخل الأماكن السكنية الموريتانية، كما تأتي بعيد إعلان مدير المخابرات الموريتانية عن اختراق غير مسبوق لهذا التنظيم المسلح، والقدرة على إيقاف عملياته العسكرية التي كلفت الدولة الموريتانية تكاليف باهظة في الأموال والأنفس وأفقدتها زمام المبادرة في أغلب - إن لم تكن كل- المواجهات التي جمعت الطرفين حتى اليوم. وذلك ما تكشف عنه تعليقات وزارة الدفاع الموريتانية، من خلال حرصها الدائم على تأكيد "الطابع الاستباقي" لكل عمليات الجيش الموريتاني ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومما يثير الاستغراب أن الوكالة الرسمية وصفت العملية الأخيرة التي تمت على مشارف العاصمة "بالعملية الاستباقية" ناقلة عن وزير الدفاع تأكيده على رصد السيارة "وهي على بعد خمسة وسبعين كلم جنوب شرق العاصمة!!".
حول الهدف... أن تفشل القوات الأمنية الموريتانية بكل تشكيلاتها من اعتراض قافلة المسلحين المكونة من ثلاث سيارات عابرة للصحاري، ويجد هؤلاء الفرصة لعبور كل هذه الأراضي الشاسعة من معاقلهم في الشمال المالي وحتى مشارف العاصمة (أكثر من ألف كلم)، ثم تكون حصيلة المواجهة معهم اعتقال شخص واحد (أكثر الروايات تشير إلى أنه سلم نفسه بفعل العطش وجهل المنطقة والغرابة على السكان)، ومقتل مسلحين بتفجير سيارتها بـ"الأربيجي"، واعتقال ثالثهما بعد نجاته، أي ما مجموعه أربعة أشخاص من أصل خمسة عشر فردا، حسب الرواية الرسمية، كل هذه المعطيات تقول إن القاعدة خدمت النظام كثيرا، ووفرت للأمن فرصا عديدة، من خلال إصرارها على توحيد أهدافها في العاصمة نواكشوط، إذ كان بإمكانها –والدلائل شاهدة على ذلك- إبادة عشرات التجمعات السكانية في المناطق التي مروا بها، أو على الأقل استهداف المراكز الأمنية والقواعد العسكرية الكبرى في النعمة أو لعيون أو كيهيدي أو ألاك، والعودة إلى القواعد بطريقة أسهل من الطريقة التي يحاول الناجون العودة بها الآن. فهل كانت الحكومة الموريتانية تدرك حجم المخاطر المقدمة عليها حين قررت دخول هذه الحرب، بغض النظر عن الدوافع وراء ذلك، وهل كان ممثلاها في المؤتمر الصحفي الذي أعقب المواجهات الأخيرة في الأراضي المالية يعيان فعلا ما يتلفظان به، وينطلقان من معطيات موضوعية، أم أنهما كانا يطلقان الكلام على عواهنه، وطفا بهما الحماس والانتشاء بالنصر المؤقت للتفكير في المستقبل، وحقيقة الإستراتجية الأمنية المناسبة، ومصارحة مواطنيهم بحقيقة الأوضاع.
تكتم وغموض طبيعة التعاطي الإعلام مع الموضوع لا تختلف كثيرا –للأسف– عن طبيعة التعاطي العسكري، بل إنه فشل في أحايين كثيرة عن مواكبة الجهد العسكري، وأتاح بذلك فرصا عديدة للطرف الآخر لاستغلالها، كما أعطى للشائعات والتكهنات مجالا واسعا للتحرك نتيجة ما قام به من التكتم حينا، وغموض المعطيات التي يكشف عنها حينا آخر، ولعلنا نتذكر وعد وزارة الدفاع بإصدار "البيان رقم 2" والذي وعدت بعيد المواجهات الأخيرة "أو العملية الاستباقية كما سماها وزير الدفاع حينها" في الشمال المالي، وقالت الوزارة آنذاك إن البيان المنتظر سيحوي كل التفاصيل عن الشهداء والجرحى، لكنه لم يصدر حتى اللحظة، ولم تعرف على وجه الدقة أسماء شهداء الجيش ولا جرحاه، وترك للتكهن والشائعات دورهما في هذا المجال. يحتاج الأمن الموريتاني بكل تشكلاته، بل والسلطات التنفيذية إلى إدراك التغيرات من حولها، ومواكبة التطورات التي عرفتها الحياة، والمبادرة بإعطاء الحقائق قبل انتشار الأكاذيب والشائعات، والشفافية مع المواطنين لأن مصادر المعلومات أضحت كثيرة، وما "عتمت أنت عليه" سيأتي من يكشفه، ويمنحه بالمجان، بل ويزيد فيه ما يخدم أهدافه ويوجه الأحداث لصالحه، لقد انكسر قيد المعلومة بشكل نهائي، ولم يعد بالإمكان استعادته، وعلينا "تقديم المعلومات الصحيحة" أو التعرض "لهجمة شائعات" سيكون ضرها أكثر من كشف معلومات كنا نتصور في عصر مضى أن كشفها سيشكل خطرا على الأمن الوطني.
على الطرف الآخر وعلى الطرف الآخر تبدو أسئلة ملحة، أولها عن الدافع الحقيقي وراء "التضحية" بهذا العدد الكبير من الأفراد والمقدرات، من أجل هدف غير مضمون، وغير مؤثر، فاغتيال الرئيس الموريتاني قد لا يحتاج لكل هذا الحشد والجهد، خصوصا وأن التنظيم سبق وأن نجح في اغتيال رموز وزعماء بمقدرات أقل من هذا، وإن كانت رواية القاعدة في تحديد الهدف (من التأكيد على أنه اغتيال الرئيس) أكثر وجاهة وإقناعا من الرواية الرسمية التي جعلته قاعدة عسكرية في نواكشوط، إضافة للسفارة الفرنسية، فلو كان الأمر كذلك لما تجاوز المسلحون القواعد العسكرية في الداخل؛ لأنه في النهاية لا فرق بين قاعدة وقاعدة، ولا بين جنود هنا وجنود هناك، إلا إذا كان بحثا عن الكسب المعنوي من خلال استهداف إحدى قواعد العاصمة، لكن الأمر في حقيقته لا يستحق التضحية بكل هؤلاء الأفراد وكل هذه المقدرات. فهل يمكن أن يكون تنظيم القاعدة ف بلاد المغرب الإسلامي أراد من خلال عمليته اختبار الأمن الموريتاني، والبحث عن موطئ قدم داخل الأراضي الموريتانية بعد التضييق عليه في الأراضي المالية، خصوصا في ظل الصفقات التي يقوم بها الغربيون مع قبائل المنطقة، وتحريض هذه القبائل على تأمين مناطقها وإغداق المال عليها، لكن الهدف تغير في النهاية بعد أن اكتشف الفريق من قبل حاجز للدرك الموريتاني في كيدماغا، وهو ما دفع فريق القاعدة للانتقال من الخطة "أ" إلى الخطة "ب" والتي تعنى استهداف الحكومة الموريتانية في أي مفصل من مفاصلها، مع عدم إغفال الجانب المعنوي فكان اتجاه مجموعة إلى نواكشوط، وأخرى إلى روصو، وسعي المجموعة الثالثة للعودة إلى القواعد لترتيب الأمور فيها؛ هي إحدى الروايات التي تم تداولها كتفسير لهذا النزوح الجماعي الكبير لمقاتلي القاعدة في عملية افتقدت الكثير من "بصمات" التنظيم الصحراوي المقاتل. وكما كان هدف العملية غامضا، جاء الإعلان عن تبنيها مخالفا لأعراف التنظيم، حيث جاء الإعلان عن تبنيها سريعا، خلافا لكل العمليات السابقة، والتي عادة ما ينتظر التنظيم قرابة الأسبوع قبل أن يكشف عن تفاصيلها، وهو درس مستفاد من التفجير الانتحاري الذي قامت به قاعدة العراق واستهدف فنادق في العاصمة الأردنية عمان، حيث أدى تبني التنظيم السريع للعملية وكشف أسماء منفذيها إلى القبض على أم عميرة السيدة الوحيدة التي كانت بين المنفذين والتي تراجعت قبل التنفيذ (ساجدة مبارك)، وقد استفاد التنظيم من هذا الدرس، ودفعه في عملياته التي جاءت بعد ذلك لمنح الفرصة لنجاة من ينجو من أفراده من العمليات، حيث ينتظر عادة لأيام ثم يعلن تفاصيل عملياته، وهي الطريقة التي اتبعها في كل عملياته على الأراضي الموريتانية. وعد التنظيم خلال تبنيه العملية ببث وصايا المنفذين لتأكيد الهدف من العملية، مؤكدا أن الدافع وراء اغتيال الرئيس الموريتاني هو فتحه لموريتانيا للحرب على التنظيم من فرنسا، وسماحه باستخدام الأراضي الموريتانية لشن هجمات على قواعد التنظيم في الأراضي المالية والموريتانية، لكن كثرة العدد، وتعدد الجهات التي قصدتها سيارات التنظيم، ومسار العملية ككل، يثير الشكوك حول الهدف الحقيقي من العملية، ويدفع للتساؤل بجد عن دوافع التنظيم المقاتل في التضحية بهذا الحجم الكبير من مقاتليه ومقدراته، في "عملية" تكون نهايتها مقتل عدد من عناصره واعتقال آخرين، مطاردة البقية أو محاصرتهم على الحدود السنغالية الموريتانية.
تساؤلات... فهل بدأت الصحراء تضيق على التنظيم المسلح مما اضطره للبحث عن "موطئ قدم خارجها"، وكانت الأراضي الموريتانية أولى محاولاته، أم أن الهدف المعلن بالفعل يستحق كل هذا؟، ولماذا غابت الأجهزة الأمنية الموريتانية زمنيا لأكثر من ثلاثة أيام ومكانيا لأكثر من ألف كيلومتر، ومن أي نقاط العبور "الإلزامية" التي أعلنت عنها وزارة الداخلية الموريتانية قبل أشهر؟ وأين ضبط الحدود الموريتانية "الذي وقع لأول مرة منذ الاستقلال" حسب أعضاء الحكومة الموريتانية وقادة الأغلبية؟ وهل ستكون العملية الحالية فرصة لمراجعة إستراتجيتنا ومواقفنا وعلاقتنا تفاديا لمزيد من الدماء والقتلى في حرب مفتوحة طرفها الآخر ليس لديه ما يخسره.
inp*�f:8� ��der-top-style: none; border-right-style: none; border-bottom-style: none; border-left-style: none; border-width: initial; border-color: initial; border-image: initial; text-decoration: none; list-style-type: none; color: rgb(72, 72, 72); font-family: Arial, Tahoma, Helvetica, Verdana, sans-serif; font-size: 15px; font-style: normal; font-variant: normal; font-weight: bold; letter-spacing: normal; line-height: 24px; orphans: 2; text-align: -webkit-auto; text-indent: 0px; text-transform: none; white-space: normal; widows: 2; word-spacing: 0px; -webkit-text-size-adjust: auto; -webkit-text-stroke-width: 0px; background-color: rgb(255, 255, 255); ">في مثل هذه الظروف لايبدو موقف الجبهة مطمئنا لأنصارها، وهو بالطبع أقل غيظا لخصومها، سيما وأن النفس الطويل الذي يتعامل به الاتحاد الإفريقي ومن ورائه المجتمع الدولي مع الملف الموريتاني لايصب البتة في صالح موقف الجبهة الذي يراهن عليه شعب اعتاد ضعف الذاكرة والسير مع الوضع أيا كان، والركون إلى الحاضر كما هو، مهما بلغت وعود المستقبل من الإغراء.
يدرك من له اطلاع على الشأن السياسي الموريتاني أن الأحزاب المشكلة للجبهة تغلب الواقعية السياسية في كثير من تصرفاتها، ويحضر عاملا الربح والخسارة –الحزبيان وليس الوطنيان-في أغلب مواقفها، وقد أثبتت الانتخابات الرئاسية الأخيرة إضافة إلى حكومة ولد الوقف الأولى ذلك.
وبالتالي فمن الوارد جدا أن يفهم أحد هذه الأحزاب في لحظة ما أن الواقع يدعوه لتغيير موقفه أو –على الأقل- تليينه، سبقا للآخرين حتى لايتركوا عليه عبأ الوقوف وحيدا فريدا في وجه خصم شكل ندا لهم وهم مجتمعون.
وخارج هذين القطبين نجد أطرافا أخرى حكمت على نفسها بالإقصاء، وإن كان الواقع يخولها دورا بارزا في سياق الأحداث السياسية الموريتانية.
أولها: حزب تكتل القوى الديمقراطية والذي يرأسه "الزعيم السابق" للمعارضة، هذا الحزب رغم الثقل السياسيى والإعلامي الذي يحسب له، ما زال حتى الساعة لم يتخذ موقفا واضحا من الانقلاب، وما زالت السجالات والملاسنات تحدث داخل قمرة قيادته في تدافع يبدو أنه قد يقذف بأحد الربابنة المتنازعين خارج قمرة القيادة إن لم يكن خارج الحزب ككل، وأيا كانت النتيجة التي سيصل إليها الحزب فلن يكون لها كبير تأثير على الساحة، لأن العسكر قد أكلوا ثمن موقفه، والجبهة قطعت أشواطا يصعب على التكتل تخطيها، ويأبى على ولد داداه موقعه أن يبقى تابعا.
وثانيها: ولد الشيخ عبد الله "صاحب القضية" والذي على ما يبدو فضل أن يجلس في قريته النائية "لمدن"، يتابع سير الأحداث دون محاولة التأثيرفيها، أو قد يكون لترويه الزائد في بعض –الأحيان- دور في بقائه هناك، يصر الرجل على استعادة "ملك ضيعه" يوم قرر أن يرقي الجنرالين ويخلي الساحة العسكرية لهما من خصمهما العنيد عبد الرحمن ولد ببكر، والذي كان وجوده يوفر "توازن رعب" في الحرب الباردة بين الطرفين، يقف الرجل الذي نال الرئاسة الموريتانية ذات يوم على طبق من ذهب، راجيا أن يستعيدها ولو على طبق من "الخزف"، وحتى لو كان من "صناعة خارجية".
تعدد السبل واختلاف النتائج:
تبدو البلاد اليوم على مفترق طرق حقيقي، وللأسف- لايبدو أي من الطرق البادية -لحد الساعة- سالكا السبيل التي يطمح إليها أبناء موريتانيا المخلصون.
السبيل الأول:
يبدو أنه بات من الوارد عودة موريتانيا إلى الحكم العسكري -اللابس لبوس "ديمقراطيتهم المزيفة"- وهو ما يعني ضياع جهود ثلاثين سنة من تضحيات الطبقة السياسية، على اختلاف رؤاها وتوجهاتها الفكرية في خسارة فادحة لماكسبته البلاد من حريات تؤسس لاستقرار فعلي، والسبب غير مقنع إنه انتصار "للنفس"، وتضخم في "الأنا" أدى إلى "ردة فعل" "ألغت" كل هذه الجهود، وسيبدو الأمر للجميع _الداخل والخارج- وكأنه غير منطقي نظرا لصعوبة استساغته، لكن الأحداث تشير إلى أنه أمر وارد أكثر من أي احتمال آخر، وأن الجماهير الموريتانية لم تصل درجة تستحق فيها الديمقراطية أحرى أن تحميها من بطش "أصحاب الأحذية الخشنة"، فدعوات ترشيح الجنرال والمسيرات المؤيدة لها وجدت هنا وهناك، ربما في جس لنبض الطبقة السياسية ورصد لردود أفعالها، وستزداد هذه المسيرات وتتوسع رقعتها كلما اقترب موعد الانتخابات.
السبيل الثاني: إعادة قواعد اللعبة على أسس الفترة الانتقالية، وترشيح شخصية جديدة تنازع على الشرعية وتدعيها هي الأخرى مع مساندة "السلطة الواقعية"، وحينها لن يكون أمام الداخل والخارج إلا التعامل مع الواقع بعيدا عن "المثاليات" التي لا مكان لها في عالم السياسية، وإذا افترضنا أن أحد الأطراف الرئيسة في الجبهة "استماله الواقع"، وقرر القناعة بالمتوفر، ونجح العسكر في الحصول على إشراف دولي على الانتخابات، وطبعا ليسوا بحاجة إلى تزويرها في ظل وجود المخزن الانتخابي الكبير المتمثل في "موريتانيا الأعماق"، إضافة إلى ارتفاع نسبة المشاركة بتصويت الموريتانيين في الخارج، وطبعا أغلبهم سيصوت "ضد" لكن ذلك يضفي مزيد مصداقية دون أن يكون له تأثير على النتيجة النهائية.
لكن الواقع يقول إن هذا السبيل في حال سلكته البلاد لن يكون سوى "مهدئ" غير مستأصل للداء، وستظل الأزمة قابلة للعودة إلى ذروتها في أي لحظة، لاسيما وأن ولد عبد العزيز سيجد نفسه –على الأقل أخلاقيا وعرفيا- مجبرا على الابتعاد عن الوظائف العمومية، أحرى العودة إلى المؤسسة العسكرية وخصوصا "قلعته الحصينة" كتيبة الحرس الرئاسي.
السبيل الثالث: انقلاب على الانقلاب: مجرد الاسم يجعل النفس تنفر من هذا السبيل، لكنه قد يشكل –في لحظة ما- الحل السحري الوحيد للأزمة الموريتانية، لأنه الاحتمال الذي لا يحتاج إلى مقدمات، والتاريخ السياسي الحديث يؤكد أنه الاحتمال الأكثر ورودا، وأنه ملجأ الموريتاني كلما ضاقت السبل، وانحصرت الخيارات، وحتى في حال سلوك أحد السبيلين السابقين، فهذا الخيار سيظل واردا في أي لحظة.
وكل الخيارت السابقة هي خيارات "عسكرية" بالدرجة الأولى، ولعل ذلك عائد إلى أن "الجبهة" لحد الساعة لم تقدم برنامجا يمكن أن يرضي خصومها في المعسكر الآخر، وبالتالي حتمت عليهم أن يواصلوا فرض أمرهم الواقع بعيدا عن "الأمور التوافقية"، وعقلية الجندي تقول له "إذا لم يترك لك مفر، فليس عليك سوى الاستبسال حتى آخر رصاصة في جعبتك وآخر قطرة من دمك"، والواقع يقول إن الجبهة بما قدمت حتى الآن تدفع "العسكر" للشعور بأنه "لا مخرج" مشرف، وبالتالي فالاستبسال والصمود هو الحل.
أيا كانت السبيل التي ستسلكها البلاد فهي خسارة كبيرة لكل الموريتانيين، خسارة "للديمقراطية" ولو كانت عرجاء، خسارة للشعوب الإفريقية والعربية، من تجربة كانت ستشكل على –علاتها- مصدر إحراج للكثير من قادة هذه الدول، وقد تدفع بعضهم لدفع أقساط من الحرية والديمقراطية لاتهدد كرسيه، ويكون شعبه في أمس الحاجة إليها.