احتجاجات "اطويل": رفضٌ للتهميش وتجاوزٌ للأطر / أحمدو ولد أبيه

قبل أقل من أسبوعين خرج تلاميذ إعدادية مركز "اطويل" الإداري التابع لمقاطعة الطينطان في احتجاجات قوية للمطالبة بتوفير الأساتذة لاعداديتهم المهملة. الرد الحكومي المستفز جاء سريعاً باستدعاء رتل من "الدرك الوطني" لقمع المحتجين السلميين واعتقال بعضهم، بدل الاستجابة لمطالبهم المشروعة جدًا. ومع أن المطالب بقيّت مرفوعة بجديةٍ وصمود رغم شدّة القمع الموجه ضدّ رافعيها من التلاميذ والأهالي فإن الجهات المسؤولة رفضت التعامل بمسؤولية مع الواقع القائم،

حيث لم تعترف بمعاناة السكان التي نتجت عن سياسات الإهمال المتبعة من طرفها.
شكّل صمود المتظاهرين في وجه آلة القمع مفاجأةً بسبب بعده عن المراكز الحضرية التي كثيرًا ما اعتبرت المكان الحصري للاحتجاجات والتظاهرات المطلبية. ومبعث تلك المفاجأة هنا هو أن مكان "اطويل" الذي حدثت فيه هذه الاحتجاجات يعدّ من المراكز الإدارية التي حُكم عليها بالتهميش بفعل تحكُم الزعامات القبلية المدعومة من طرف الأنظمة الحاكمة لضمان تمرير انتخاباتها وخطاباتها فيها، دون أن يكون ذلك على أساس استراتيجيات تنموية جادة وناضجة للحد من معاناة سكان أرهقهم الصراع مع ثنائية الفقر والجهل رغم مرور عدة عقود على حدث "الاستقلال الوطني".
بالتالي كان متوقعًا أن تكون تبريرات "الإدارة الجهوية للتعليم" لهذه الأزمة، بأنها جزء من نقص كبير للأساتذة في الولاية، متماشيةً مع نظرةٍ رسمية تعتبر المشكلة غير ملحة بسبب أنها  تأتي من موقعٍ يعتبر "ثانويًا" في سياستها ورؤيتها. فما دام المشكل في هذه الحالة يقع على مستوى الولاية، فإنه بحسب هذه التبريرات الرسمية، تنتفي أي جدوائية لاحتجاجات سكّان "اطويل" مادامت مشكلتهم ليست إلا جزءا من مشكلة أكبر لم تحلّ بعد. وفي الحقيقة إن كان هنالك من تفسير مقنع لهذه الأزمة فهو القول أنها تؤكد بشكلٍ قاطعٍ عدم رعاية التعليم العمومي وأوضاعه المزرية ممّا سمح باكتساح مؤسسات التعليم الخاص لعواصم الولايات والمقاطعات بالداخل، حيث لم يعد الأساتذة يرغبون في التدريس بمؤسسات نظامية في قرى ومراكز إدارية نائية مقابل راتب شهري زهيدٍ، وهناك في الآن نفسه فرصٌ كثيرة للتدريس في المقاطعات وعواصم الولايات يتقاضون فيها رواتب معتبرة مقابل كلّ حصة منفردة.
لذا فعندما اندلعت احتجاجات سكان "اطويل" من أجل التعليم فإنها لم تخلُ من رسائل احتجاجيَة صادمة لكل الفاعلين السياسيين، باعتبار أنها ثاني نشاط شعبي عفوي في الفترة الأخيرة - بعد احتجاجات سكان سيلبابي من أجل التعليم أيضا- يربك السلطات بمطلبه وصموده وهامشيته الجغرافية الملفتة. وهي كلها أمور أبانت لدرجة كبيرة عن مستوى من الجدية تمثل في تقديم بديلٍ نضالي تشاركي، هو على النقيض تمامًا مما يحدث منذ فترة في العاصمة نواكشوط، التي بات النضال الجاد فيها يعاني من عدم الإقناع بعد انتشار موجة "النضال مدفوع الثمن" وتسيير المخابرات لحملات الإلهاء المضللة.
يدفعنا الاعتقال المستمر لخمسة أشخاص من السكان المحتجين إلى اعتباره دليلًا واضحًا على  فشل ورقة الأطر المحليين، الذين طالما كانوا سندًا لإنقاذ الأنظمة السياسية في هكذا حالات بالاعتماد على وساطات تقليديّة تنتصر دائمًا لصالح السلطة بدل الانتصار للمواطن البسيط. ويتضح أمر تلك الوساطة جليًا في عجز أولئك الأطر بكل نفوذهم عن إيجاد حلٍّ لمشكلة الأساتذة فضلًا عن العجز أيضًا عن إطلاق سراح المعتلقين الخمسة.
وعلى ذلك الأساس فإن فشل ورقة الأطر في إنهاء الأزمة يعود إلى وعي السكان بالنظرة الفوقية التي ينظر بها أطر الطينطان لهم، كسمة أبرز تحكم تعاملهم مع المواطنين طيلة فترة الرخاء السياسي.  إلاّ أنه على الرغم من كل ذلك كانت هناك جهود فردية ناصرت مطالب السكان، ولعل من أبرز تلك الجهود دفاع النائب المحترم محمد محمود ولد الصديق عن حق السكان في التظاهر والتعليم في جلسةٍ برلمانية بالتزامن مع الأحداث.
في الأخير، وأمام هذا الوضع، يصبح ملحاً التساؤل: هل فهم أطر الطينطان ما ينبغي أن يكون عليه موقفهم؟ بمعنى آخر هل من شأن الاحتجاجات الأخيرة في "اطويل" أن تدفعهم إلى اتخاذ مواقف انحيازية لمطالب السكان قبل فوات الأوان؟ وذلك إذا علمنا أنّ هذه الاحتجاجات بالأخص تأتي في سياقٍ مطلبي واحتجاجي تشّكل بقوة كبيرة في السنوات الأخيرة بالطينطان.
           

2. ديسمبر 2017 - 12:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا