اعتمادا على وثيقتين من وثائق الحزب هما وثيقة " برنامج الحزب العام" - المعتمدة حتى الآن - ووثيقة برنامج المرشح لرئاسيات يوليو 2009، الرئيس محمد جميل منصور، وهما وثيقتان تتكاملان، فتفصل إحداهما حيث تجمل الأخرى، سنكتشف أن المجال الاقتصادي قد أُعطيَّ اهتماما خاصا في البرنامج السياسي لتواصل، وهو أمر مطلوب في بلد تشكل التنمية الاقتصادية ومواجهة الفقر والبطالة وحل مشكل التفاوت في توزيع الثروة إحدى قضاياه الرئيسية.
التشخيص أولا:
ينطلق البرنامج من تشخيص المشكلات التنموية تشخيصا جيدا لا يستند على الإطلاقات الخطابية، ويعتمد على الأرقام والإحصاءات الموثقة، وهو إلى جانب ذلك يمارس عملية نقدية مبصرة، تتجاوز المعطيات الصماء إلى دلالاتها التنموية، فيورد مثلا (عدم تناسب معدلات النمو الاقتصادي "التي بلغ متوسطها في العشرية الأخيرة 5%" مع حدة انتشار ظاهرة الفقر)، ويتحدث عن (اختلال عميق في تنمية القطاعات والمناطق).
وقد أوردت هذه الوثائق في تشخيصها الجوانب الأكثر هيكلية وبنيوية في الوضع الاقتصادي لبلادنا، إضافة للمشكلات الناجمة عن السياسات الخاطئة أو الممارسات المدمرة للاقتصاد مثل الفساد وعدم التوزيع العادل لثمار النمو ومشكلات ضعف استقلال القضاء، وهذا يعني وعيا مقدرا بالبعد المزدوج للمشكلات الاقتصادية في بلادنا، كما يترجم تعاملا أمينا يبتعد عن المزايدة السياسية، فيشخص بموضوعية وأمانة، يعترف أصحابها بالمشاكل التراكمية والهيكلية التي لا تعود بالضرورة لممارسات نظام سياسي بعينه، ويسجلون في ذات الوقت المشكلات المعيقة للتنمية الناجمة عن ضعف الحكامة وسوء التسيير.
خريطة طريق ...
لعل من مجسدات الروح العملية للبرنامج الاقتصادي لتواصل هو وضعه لما يمكن اعتباره خارطة طريق للإقلاع الاقتصادي، فكثيرا ما واجهتنا في البرامج الحزبية جملة من الإجراءات لا يجمع بينها ناظم، ولا يحكم بعض جوانبها منطق محدد، وهذا يشي بأن الروح العملية أو استحضار مدى النجاعة والفاعلية لم يكن حاضرا بما يكفي عند واضعيها. وتتكون خريطة طريق برنامج تواصل الاقتصادي من ثلاث جبهات:
- السياسات الأساسية للنمو الكلي؛
- السياسات المساندة؛
- والإصلاحات القطاعية.
إن الترتيب يعكس الأوزان النسبية لهذه الخطوات الإصلاحية، كما يعكس الاحترافية العالية والروح العملية لهذا البرنامج، وفي معالجة مخصوصة السياق والمتاح لن نستطيع إدراج تفاصيل هذه المحاور، إنما سنشير ونمثِّل:
1. السياسات الأساسية للنمو الكلي: ففي بلد لا يتجاوز الناتج القومي فيه 4.6 مليار دولار فقط وحيث يبلغ نصيب الفرد من هذا الناتج 1120 دولار، يكون فعلا من السياسات الرئيسية التي ينبغي اتباعها دفع نمو الدخل القومي، ولذلك يورد برنامج المرشح لرئاسيات 2009 الأخ الرئيس محمد جميل منصور النص على اتباع إجراءين لتحقيق ذاك الهدف: تعبئة المدخرات المحلية، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وقد أوردت الوثائق وسائل تفصيلية لتحقيق هدف تعبئة المدخرات باعتباره أحد المقدمات والشروط لتشكيل تراكم رأسمالي وطني، من بين تلك الوسائل: إنشاء صناديق الإدخار والقرض الحسن واستحداث منتجات مصرفية للتوفير والاستثمار، وإنشاء صناديق للاستثمار تعمل على تشغيل جزء من أموال الزكاة (والتي نص البرنامج على إنشائها: إنشاء هيئة وطنية لجباية الزكاة يعترف لها بالاستقلال الإداري والمالي)، وتشجيع الحكومة للتمويل الإسلامي، وتغطية مختلف الولايات بمؤسسات للتمويل الخفيف لتمكين الفقراء من النفاذ إلى مصادر التمويل.
أما الهدف الثاني"جلب الاستثمار الأجنبي المباشر" فنذكر من وسائله: وضع خرائط استثمارية مفصلة (من حيث الجدوى الاقتصادية والفنية)..، وخلق مناخ استثماري ملائم وذلك بتنقيته من البيروقراطية المعوقة والفساد المستشري في شتى قطاعات الاقتصاد والإدارة.
2. السياسات المساندة: وتتشكل من السياسات النقدية والمالية والتجارية، وتشمل الخطوطُ العامةُ للسياسة النقدية تحقيق استقرار العملة وتطوير وتوسيع المعاملات المالية الإسلامية وتبني الدولة سياسة الاستثمار في هذا المجال، تقوية العملة من خلال توسيع القاعدة الانتاجية للاقتصاد الوطني.
وإذ تشمل السياسة المالية، كما هو العادة، الاجراءات الضريبية والنفقات العامة، فإن الإجراءات المتعلقة قد جمعت بين الكفاءة في التحصيل الضريبي والعدالة في فرض الضريبة وبين ترشيد الإنفاق وزيادة الأجور والمرتبات من كتلة بنود ميزانية الإنفاق الأخرى وإعطاء الأولوية للبرامج الاستثمارية في توجيه الموارد المالية.
وفي اقتصاد تصديري كاقتصادنا تصبح السياسة التجارية في حجم أهمية السياسة النقدية والمالية، ولذلك جاء الاهتمام بها في البرنامج، وتم النص على جملة من الإجراءات، نورد منها: تفعيل قانون حماية المنافسة ومكافحة الاحتكار بما يضمن منافسة حقيقية وشفافة بين مختلف الفاعلين في المجال الاقتصادي؛ متابعة الأسعار على نحو متوازن يحمي المستهلك والمستورد (حلول مشكلات التجارة الداخلية)؛ واعتماد آلية لزيادة الصادرات وذلك من خلال المنتج النوعي والسعر التنافسي؛ وتشجيع التعاون الاقتصادي الاقليمي ودعم الجهود الرامية لإقامة تكتلات اقتصادية في الفضاءات العربية والافريقية والإسلامية (دعم قطاعات التصدير).
3. الإصلاحات القطاعية: وفق الرؤية الاقتصادية التواصلية، فإن دور الدولة التدخلي هو لتنظيم الحياة الاقتصادية وتوجيه القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، وقد نص البرنامج الاقتصادي انطلاقا من ذلك على العمل وفق مخطط تفصيلي احتواه البرنامج ولا يتسع المجال للاستفاضة فيه، على النهوض "الثوري" بالقطاعات الاستراتيجية التالية:
- القطاع الريفي بمكوناته: الزراعة والتنمية الريفية؛
- الصناعة والمناجم؛
- الصيد البحري؛
- النفط والطاقة والمياه؛
- قطاعات البنية التحتية.
حيث تحدث البرنامج عن معوقات كل قطاع على حدة، وتناول أولوياته الإصلاحية انطلاقا من إلحاحية الحلول المتعلقة، وانطلاقا من الأهمية النسبية لكل قطاع.
تلك محاولة لأخذ صورة مجملة عن البرنامج الاقتصادي للتجمع الوطني للإصلاح والتنمية، والحق أن هذا البرنامج يعكس للمطلع عليه إحاطة مستوفية، كما يترجم وعيا بالمشكلات التنموية لهذه البلاد وقدرة تصورية ذات منحى عملي في وضع الحلول، ولا شك أن وضوح التصور وسلاسة الإجراءات ونضجها تشكل الخطوة الأهم لنجاح تنفيذ البرامج الحزبية، ولست أشك في أن باقي الشروط المتمثلة في المصداقية والكفاءة العملية والأمانة الخلُقية متوفرة في أهل تواصل..ولله الأمر من قبل ومن بعد.