الإسلاميون ..والقوميون...وجدلية الإرشيف / أحمد أبو المعالي

altلم أتمكن للأسف الزائد من متابعة مجريات الحلقة الأخيرة من برنامج التلفزيون الوطني (المنتدى ) كاملة..لكن متابعة بعض ما ورد في الحلقة المذكور يكفي لإبراز بعض الملاحظات العامة فالوقوف عند الدلالة لا يحتاج بالضرورة "دالا" ثرا بقدر ما يتطلب عينة نوعية.

وهو ما يبرر صياغة هذه المقالة بعد أن تولد لدي إحساس غير مريح أن النخبة السياسية والفكرية الوطنية – قد لاتكون نشازا عن بعض مثيلاتها في الخارج- تأبى تجاوز "الحلقات الماضية" وتهمل –بعض الأحايين- مقتضيات التطور والتحوير التي تفرضها طبيعة الفكر البشري الخلاق.وصيرورة التنوير والتجديد ..وتتخذ من "الإرشيف" متكأ أساسيا لتقويم وتقييم الآخر ...صحيح أن الاختلاف في وجهات النظر السياسية والفكرية ظاهرة صحية ..بل وطبيعية ..فاختلاف الرؤى والفهوم والإدراكات والخلفيات لابد أن ينعكس بطبيعة الحال على "مفردات " الخطاب ..بيد أن ذلك ينبغي أن يخضع دوما لعملية تجديد دينامكية تضع في الاعتبار البحث الدؤوب عن توسيع "المتفق "الذي هو عامل البناء والتقدم والتطور التي تنشدها الطبقات المفكرة لمجتمعاتها ومحاصرة "المختلف فيه" الذي قد يتحول إلى حجرة عثرة في سبيل البناء والنهضة..ذلك أن عملية "استصحاب" الإرشيف –على أهميتها – تنحو منحى سلبيا حينما تكون عمدة النظر للأخر ومحك الحكم عليه دون النظر في بعض المآلات والتصورات التي تقتضيها طبيعة التطور البشري سيما إذا كان ذلك "الإرشيف" عرف انزلاقات أوجدت مناخا متخما بالمشاكل والمآسي .

وتأسيسا على ما فرط فقد وقعت بعض مداخلات الضيوف في هذا المطب مما نتج عنه احتكاك فكري وسياسي ينظر من طرف خفي إلى "السوابق" فلا يرى البعض في التجربة القومية سوى "المشانق" والحكم الشمولي وهو يستحضر نماذج "عبد الناصر.. وصدام حسين –رحمهما الله- وما ولده التجاذب بينهما وبين "الحركات الإسلامية" في بلديهما من استقطاب حاد لا مجال فيه للآخر صوتا أو فكرا أو رأيا .ومع مصداقية هذا الطرح إلا أن ذلك ينبغي أن يوضع في إطاره التاريخي .دون أن يظل عنوانا أو "مانشيت" يلازم الموقف من الفكر الإيديولوجي ذي البعد القومي العربي ..والمصيبة "الفكرية" أن يظل ذلك "التاريخ" مدى الحياة برزخا بين أصحاب هذا التوجه وأصحاب الطرح الإسلامي ..خاصة أولي النظرة العقلانية والسامية من معتدلي الطرفين

ويخيل إلي أن اعتراف "الطرف القومي" بأن ثمة أخطاء في التعامل مع التيار الإسلامي إبان حكم عبد الناصر وصدام وغيرهما من الزعماء الذين تلفعوا ذلك "المرط القومي" والبحث عن تجازوها مهم في هذا السياق بدل البقاء في نفس المربع وإشهار سيوف "الرجعية" و"العمالة" وغيرها من مفردات تلك الحقبة في وجه كل من ينظرإلى سجل تعاطي الزعماء القوميين مع "التيار الإسلامي..بشيء من التحفظ والانتقاد .. والاحتماء بالتبرير مما قد يولد تكلفا في "حسن المخارج"

ولو تجاوز "القوميون" هذه العقدة وآوا إلى رأي جديد يسعى للتصالح والتقارب لقلت نقاط "التنافر" بين القطبين ولوفرالجميع "كثيرا " من الوقت والجهد لصالح إيجاد أرضية مشتركة للتعايش والتفاهم في وطن لايحتاج إلى اقتناص "الأزمات" أو الركون إليها

ولعل تلك "الحساسية " المتولدة عن أحداث تاريخية معينة كان من الحكمة تجاوزها لمن ألقى السمع وهو شهيد- هي التي جعلت بعض المتحدثين في البرنامج لايرى في حكومة البشير"سوى المشانق والمسالخ ولا يرى في حكومة أوردغان سوى "النزعة التركية "في استقطاب لايضر البشير وأوردوغان ولا ينفع الفكر القومي ولا يعطيه نصرا أو فتحا مبينا .وليس الهدف من ذلك سوى رد "الصاع " بمثله في سجال تحتاج أرضيته لإعادة النظر في كثير من "مفردات" خطابه الجامد.وأسلوبه التقليدي

أستطيع القول إن حساسية "القوميين" من التيار الإسلامي ليست حساسية "فكرية" بقدر ما هي حساسية سياسية أو جدتها ظروف احتكاك خاصة تم استغلالها بطرق غير نبيلة في بعض الأحيان ..وكان للحرب الإعلامية دورها في جعل "الإخوان" عملاء لقطب كوني لايوليه زعماء القومية الاشتراكية وجوههم حينها ..فتم استغلال هذه المعطيات في "حرب" انسحبت على "النسخ " الإسلامية الأخرى ..و لو تم تحكيم العقل والشرع لما وصلت لذلك الشرخ الكبير ..ولظلت في حدود الاجتهادات البشرية القابلة للنقاش والحوار لكن "سم" السياسة ..وأخطاء بعض الزعماء ملأت الدسم سما فأشربت القلوب "تنافرا " وتناطحا تتوارثة الأجيال بشكل روتيني..ومن السلبية التمادي في ذلك النطاح الممجوج والمتجاوز ..لمن يسعى للم شمل الأمة العربية والإسلامية.فقد تكسرت فيه النصال على النصال وما استفاد منه الطرفان شروى نقير غير صخب إعلامي مزعج وهدر للفكر والجهد والوقت.

والمتأمل الموضوعي يجد أن السجال يقف في نفس المربع الأول ويعيد نفسه وآليته وعباراته واستشهاداته وبراهينه دون تعطيل أو تأويل أو تحريف.حتى لو قدر لك أن تقارن بين حوارين أحدهما جرى بداية السجال والآخر في بداية هذا القرن لا التبس عليك الأول بالآخر و لتهت في البحث عن الفارق بين "الصورتين"

بيد أنه على العقلاء " من القوميين" والإسلاميين في بلادنا أن يتخلوا عن اصطحاب تلك "الملفات" في النسخ المحلية وإشهارها كلما كان ثمت مناسبة للتلاقي والتحاور..ويقيني لو جلس الطرفان بقلوب كبياض الثلج ..وأفكار كالبدر ليلة التم ...ووطنية كالنتيجة الرياضية في المصداقية لأزالوا الكثير من تلك "الحساسيات" ..فلا عقلاء القوميين لديهم نفور من صفة "الإسلامية" ولا عقلاء الإسلاميين يمقتون العروبة" في سياقها السليم..وليحاول هؤلاء الاستفادة من الأمم الأخرى التي لم تتصارع "قوميا" مع "الإسلام" فحافظت على خصائصها وبناها العامة و"أسلمت" عنانها للإسلام ..مع الفارق بين هذه الأمم والشعوب والأمة العربية التي اجتباها الله لتكون منطلق خاتم الديانات وتكون لغتها ثوبه القشيب .
قد يكون ثمة من يستفيد من هذه الخصومات والمعارك ..ويقتات منها أو يعزز بها وجوده وتأييده لهذا الطرف أو ذك .أو يستغلها لمآرب ضيقة .لكن ذلك لايلغي دور "الناصحين" والمرشدين من "الإخوة " و"الرفاق" في وضح حد لخصام مفردته مسكونة بال"تاريخية" وأهدافه مؤطرة ب"تسجيل النقاط" ...ليس إلا.
هذه نصيحة عامة ..والكرة في مرمى الأطراف المعنية
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ..وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب
فهل من مدكر

14. مايو 2010 - 13:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا