ها هي موريتانيا على أبواب سياسة نقدية أو مالية جديدة لها العديد من الأهداف المتباينة والمختلفة. ويعتبر البنك المركزي الموريتاني هو الخلية الأولى المسؤولة عن رسم أهداف هذه السياسية.
فما هي هذه السياسة الجديدة ؟ وما الهدف منها ؟ وهل هي تخفيض لقيمة العملة أم قسمتها على العٌشر ؟
وهذا ما سنعالجه من خلال النقاط التالية. وسنبدأ أولا بعرض مبررات محافظ البنك المركزي لهذا السياسة ثم بعد ذالك سنحاول التعليق عليها بمنطق علمي
ليس بالمعارض ولا بالموالي وإنما هو وجهة نظر باحث غيور على وطنه ويحاول أن يساهم في بنائه ولو بحبره.
كانت بداية الإعلان عن هذه السياسة متزامنة مع يوم 28 من شهر نوفمبر وهو يوم ذكرى عيد الاستقلال الوطني. ففي خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة هذه الذكرى العظيمة تضمنت بعض فقراته الإعلان عن الكثير من الإصلاحات كان من ضمنها هذه السياسة المذكورة آنفا. لتجيء بعد ذلك رسالة من محافظ البنك المركزي لتوضح وتبين ما أجملت عنه هذا القضية في خطاب رئيس الجمهورية.
وقد جاء في هذه رسالة - الموجهة إلى الرأي العام- أن النقود في موريتانيا تواجه الكثير من التحديات من بينها :
التداول المكثف والاستخدام المفرط للنقد.
التداول المتزامن لسلاسل من العملات الورقية والقطع النقدية، مكونة من 12 نوعا تختلف كل منها عن الأخرى من حيث الشكل والصيغة.
ضعف قيمة القطع النقدية والتلف المبكر للأوراق النقدية ذات القيمة الصغيرة.
تبييض الأموال ومحاكاة تزييف العملة.
وقد جاءت – حسب محافظ البنك المركزي –هذه الخطة الإستراتجية لتحاول أن تقلل من الأخطار المنبثقة عن هذه التحديات. فقد رسم البنك المركزي الوطني هذه الخطة أو الإستراتيجية التي من شأنها تغيير القاعدة المبنية عليها الأوقية، وذلك بحذف الصفر الأخير من كل الفئات النقدية لتصبح مثلا 5000 أوقية عندنا 500 أوقية أي بمعنى القسمة على عشرة (10/10=1، 100/10=10، 200/10=20 وهكذا).
وقد برر محافظ البنك المركزي هذا بقوله أن هذه السياسة الجديدة ستعطي الكثير من الفوائد من أهمها:
• تبسيط أكبر للعمليات التجارية
• زيادة الثقة في العملة الوطنية
• تقليص التكاليف التي يتطلبهما أمان المعاملات
• تقليص تكاليف التسيير بنسبة للبك المركزي.
• ضبط واستغلال الوقت
وهذا هو مجمل ما ورد من مبررات من طرف القائمين على هذه السياسة، بالإضافة إلى أن هذا الإجراء لا يؤثر على القدرة الشرائية للمواطن، ولا إلى قيمة المدخرات والممتلكات و الوسائل الاستثمارية الأخرى ، ولا نسبة تضخم.
أما ما نراه نحن في هذا المجال أن هذه السياسة تعتبر سياسة تخفيض Dévaluation لقيمة العملة ( الأوقية ). وهذه الأخيرة هي عبارة عن سياسية نقدية أو مالية تقوم بها بعض الدول التي تتحكم في إدارة سعر الصرف أي بعبارة أخرى " عندما يكون سعر الصرف خاضعا لإدارة الدولة مباشرة التي تحدد هذا السعر عبر قرار حكومي، وهذا هو عكس الانخفاض Dépréciation من قيمة العملة الذي يتحقق عندما يكون سعر الصرف خاضعا لتفاعل الحر بين العرض والطلب ".
ومن العوامل الأساسية التي تحفز الدول إلى القيام بهذا النوع من السياسة
( تخفيض العملة ) ما يلي :
مدى قدرة الآلة الإنتاجية والنسيج المقاولات
مدى المرونة السعرية للصادرات والواردات يعني متى تجاوب الطلب على الصادرات والواردات مع تغيير الأسعار الناتج عن تخفيض قيمة العملة.
ومن المعروف علميا أن لهذه السياسة العديد من الفوائد، كما أن لها سلبيات. فمن النتائج الإيجابية التي ترجا من وراء السياسية هي:
نمو الاقتصاد الوطني: وقد يحدث هذا عند ارتفاع أسعار السلع المستوردة الناتج بدوره عن ارتفاع سعر الصرف مما يؤدي إلى انخفاض أسعار السلع المحلية.
تحفيز لإنتاج المحلي: الرفع من نسبة النمو الاقتصادي والحد من البطالة وذلك بسبب زيادة الإنتاج.
العلاقة بين تخفيض العملة والحد من عجز الميزان التجاري: تعمل سياسة تخفيض العملة إلى الحد من عجز الميزان التجاري وذلك عن طريق التوازن بين الصادرات والواردات.
ضخ السيولة في السوق : وذلك عن طرق الضغط على رجال الأعمال من أجل ضخ الأموال في السوق.
ولهذه السياسة نتائج سلبية من بينها انكماش الاقتصاد الوطني بسبب التضخم الذي ينتج عن ارتفاع المواد الأولية وخصوصا مصادر الطاقة كالنفط والغاز مثلا والتجهيزات المستوردة.
وبالمقارنة يمكننا القول إن واقع اقتصادنا الوطني لا يسمح بتطبيق أو إنشاء سياسة من هذا النوع.فنحن نستورد 70% مقابل 30% كصادرات ، وليس ليدنا إنتاج محلي يحقق الاكتفاء الذاتي ولا مصانع محلية تحقق لنا نجاح هذه السياسة المذكورة آنفا. وفي حالة تم بالفعل تطبيقها سيدخل الاقتصاد الوطني في أزمة خطيرة يتضرر منها المواطن البسيط والمؤسسات التجارية المحلية التي تعتمد في إنتاجها على المواد المستوردة الشيء الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتدهور مستوى المعيشة وتزايد نسبة البطالة.
وربما يكون هذا الإصلاح الجديد وسيلة ضغط على رجال الأعمال الذين يحتكرون النقود بمعنى أنهم لا يضعونها في حساباتهم البنكية ولا يضخونها في الأسواق. ولكن هذا ليس مبررا لتطبيق هذه السياسة الخطيرة، وإنما على البنك المركزي اتخاذ إجراءاته المعروفة من إستراتيجية وضبط لكمية النقود في السوق والمحافظة عليها دورن الرجوع إلى قرارات سياسية تخدم البعض يفقد من خلالها خاصية الاستقلالية التي تميزه عن باقي المؤسسات الأخرى.