بعد أن كانت تستخدم الفرنك الأفريقي، أصدرت موريتانيا عملتها الوطنية عام 1973، وأطلقوا عليها «الأوقية» كاسم مستوحى من تراثنا، باعتبارها من أشهر مصطلحات الأوزان القديمة.
إن الأوقية الموريتانية منذ إنشائها عام 1973 في الجزائر اعترتها تغيرات جمة من حيث القيمة والشكل وقد بدأت بأوراق نقدية من فئة ألف و مائتين ومائة أوقية، والقطع المعدنية من فئة 20، و10، و05، و01، و1/5 أوقية، وأصدرت العملة على مرحلتين وهما: الجزائر ثم بعدها في ألمانيا (1973).
و في عام 1979 فقد تمت إضافة فئة جديدة وهي بقيمة خمس مائة أوقية، ولم تجر أية تغييرات إلا في عام 2004، حيث تم تغيير العملة بمرسوم رئاسي، فطرأت فئة ألفين بلون أخضر، وشكل جديد لورقة خمس مائة، ومائتين، ومائة أوقية"، بينما في عام 2011 تم تصغير حجم ورقة ألفين بالإضافة إلى تغير شكلها بينما ما زالت تعمل النسخة القديمة بالتوازي معها.
وقد تم ابتكار ورقة 5000 أوقية عام 2009، ولكنها خضعت لعملية تأمين وتطوير ضد التزوير عام 2011، وانسحب ذلك على عدة فئات نقدية أخرى، إلى جانب ابتكار قطعة معدنية من فئة 50 أوقية، وتغيير شكل 20 أوقية"، و جاءت الألف البلاستيكية لتلتحق بالركب في دجمبر 2014.
وفي الذكرى السابعة و الخمسين للاستقلال الوطني أعلن رئيس الجمهورية عن إصلاح نقدي جديد بمقتضاه سيتم حذف الصفر الأخير(0) من الوحدات و المُسميات النقدية المُتَدَاوَلَةِ أي أن 100 أوقية حاليا=10 أواق، 10أواق=أوقية واحدة) و ذلك ابتداء من العام المقبل أي مطلع سنة 2018.
و يأتي عادة هذا النوع من القرارات ضمن برنامج اقتصادي للحكومة بهدف مواجهة التضخم في البلاد، الذي أدى إلى تراجع العملة أي أن حذف صفر سيجعل عملية التبادل الاقتصادي أكثر مرونة.
فهل هذا الإصلاح الأخير في حذف الصفر يسعى في سبيل مواجهة تراجع الأوقية والتضخم الذي تعانيه البلاد؟
من المعروف أن ألمانيا هي أول دولة شطبت الأصفار من عملتها في عام 1923 بعد انخفاض قيمة المارك في الحرب العالمية الأولى ليصبح الدولار الأمريكي الواحد يعادل 700 مليون مارك آلماني، في ذلك الوقت قررت ألمانيا حذف 14 صفرا وبعدها فرنسا حذفت 6 أصفار، كثير من الدول لجأت إلى خيار تقليص عدد الأصفار كحل لمشكلة تدهور قيمة العملة، متناسية أن قوة العملة تتأتى من قوة الاقتصاد، فالسودان حذف صفرين من عملته عام 2007 وألغت بوليفيا ثلاثة أصفار من عملتها عام 2008 وأزالت رومانيا أربعة أصفار من عملتها عام 2005 وكان التضخم الذي تعانيه تركيا منذ أكثر من 30 عاما يفرض طبع أعداد أكبر وأكبر من العملة النقدية من الملايين والمليارات وحتى الكاتريليونات كل عامين منذ عام 1981، فقد كانت العملة الورقية ذات قيمة 20.000.000 والتي تستعمل في تركيا فقط أكبر عملة ورقية في العالم. وكان عدد الأصفار الكبير يخلق مشاكل في التعاملات ، كما يخلق صعوبة في قراءة أرقام عدادات سيارات الأجرة ولائحة الأسعار في محطة البنزين... . وهناك دول لم يغن إلغاء الأصفار عنها شيئا فعمدت إلى إلغاء عملتها الوطنية بالكامل مثل زيمبابوي التي ألغت التعامل بالدولار المحلي واستبدلته بالدولار الأمريكي والراند الجنوب إفريقي، بعدما وصل سعر السنت الأمريكي الواحد إلى 500 مليار دولار.
لكن معظم هذه الدول حذفت الأصفار بعد تطبيقها لمشاريع تنموية ضخمة، الأمر الذي ينقص الخطة الموريتانية.
ففي حال شطب صفر من العملة سيكون البلد أول الخاسرين لان هناك فرق بين شطب صفر من العملة و إعادة تقييم العملية ، لان الشطب يعتبر تغيير وهمي لقيمة النقود و العملة مما قد يساهم في خلق حالة من الوهم النقدي، لكنه لن يغير من القيمة الشرائية الحقيقة للعملة ، ناهيك مخاطر تسرب العملة الأجنبية إلى الخارج بعد إقرار سياسية حرية الصرف، حيث إن مزادات البنك المركزي للدولار ساهمت بشكل كبير في خروج كميات كبيرة من العملة الأجنبية من البلاد.
إن حذف الصفر سيكلف ميزانية الدولة مبالغ كبيرة، ولن يكون لهذا الإجراء أثر على مستوى التضخم، زد على أن مشروع استبدال العملة بعد نزع الصفر ربما يكون بابا من أبواب الفساد المالي، كما حصل في عملية استبدال العملة عام 2004 ، فعملية حذف الصفر من العملة ستتسبب بالزيادة في المصروفات التي ستسمح بدورها بزيادة حالات الهدر في المال العام ، إلى جانب عدم معالجتها لمشكلة التضخم المالي لان السوق الموريتاني مستورد لكافة السلع والخدمات من الخارج مما يعني استنزاف للعملات الصعبة .
ونتيجة التغيير الاسمي في قيمة العملة الوطنية ، قد يسبب ذلك زيادة الطلب على السلع والخدمات بمعني أن الوحدة النقدية التي كان المستهلك يحصل مقابلها على وحدة واحدة من سلعة معينة قبل أن يحصل تغيير العملة ، أي بعد حذف الصفر ونتيجة العامل النفسي الذي يتولد عند الفرد المستهلك يزداد الطلب على السلع والخدمات مما يترتب عن ذلك أن المستهلك سوف يدفع وحدتين نقديتين للحصول على الوحدة السابقة من السلعة وهذا سببه زيادة الطلب ، فضلا عن التغيير الذي يحصل في قيمة العملة الوطنية قد يسبب اثر عكسي وهو التحول إلى الاحتفاظ بالعملة الأجنبية التي يراها الفرد أنها قد أصبحت رخيصة ، وهنا تتولد ضغوط على الاحتياطات من العملة الأجنبية المتوفرة في البنك المركزي.
عادة ما تلجأ الحكومات لإجراء معاكس (استبدال العملة القديمة بفئاتها المرتفعة بعملة جديدة ذات فئات أقل) عبر حجج ثابتة مكررة هي أن سحب العملة ذات الأصفار الكثيرة واستبدالها بفئات أصغر إنما هو إصلاح اقتصادي يسعى لتحسين سعر الصرف ووقف ارتفاع معدلات التضخم.
إلا أن تأثير حذف الأصفار معنوي ونفسي أكثر منه ماديا ومحسوسا، وباستثناء أن عدد الأصفار الكبير يخلق مشاكل في التعاملات، فإن عملية شطب الأصفار لن تعالج أزمة اقتصادية لبلد معين خاصة بالنسبة لهبوط مستوى المعيشة والبطالة وتردي الخدمات الصحية والتعليمية، وفوق ذلك لن تحسن سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الصعبة.
عندما يكون اقتصاد بلد ما قويا تكون عملته قوية ..فهل استبدال العملة أو نزع الأصفار سيقود إلى ضبط الوضع الاقتصادي وتحسنه أو ترديه؟ .