يعتبر تعاطي اللعبة الديمقراطية واقتحام العمل السياسي الحزبي مجرد
اجتهاد بشري وقتي وصلت إليه الحركات الإسلامية الوسطية قصد وضع لبنات إصلاحية في صرح السياسة في البلدان الإسلامية, سبيلا إلى تخفيف حمى
الباطل ومقاومة جحافل الفساد, وليست فرضا شرعيا أو ثابتا عقديا يعتبر تركه والتخلي عنه منكرا أو انحرافا, وما دامت تفضي في أغلب الظن
إلى ذلك
المقصد الأسمى وتحقق تلك الغاية القصوى فنحن لها فرسان وهي لنا مطية مهما صعبت المسالك واحلولكت الظروف وانكشف الظهير ، وحينما ينحرف قطارها عن
سكته أو يضل ربانها عن سواء السبيل فمعلوم أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما .
لقد انهمكنا في التعبئة والتحشيد لخط وخطاب سياسي معين عندما كنا نرى في سياسته رفعا لرصيد الأجور وإثقالا لكفة الحسنات يوم لا ينفع مال ولا بنون
ولا يغني مولى عن مولى شيئا , ولم نطلب فيه مناصب أو مآرب ولم نعترض يوما
على ترشيح عمر أو تعيين زيد لأننا ننشد بعملنا في دنيا الكر والفر في
معمعة الوغى السياسية رضوان الله تعالى ونيل ثوابه ,قبل أن تستوي أكتاف
السياسيين في تغليب المصالح الذاتية والحزبية على حماية الثوابت
والمقدسات, حتى صاروا أسنان مشط في الانحناء والخضوع أمام العواصف
الغربية الكافرة, أغلبية تعطل الحدود الشرعية وتجعل عقوبة رمي وزير
وانتحال أوراق أشد وأقسى من عقوبة الإساءة على خاتم المرسلين وسيد
الأولين والآخرين, وهي التي تتبجح بالتدين وحماية الدين, ومعارضة تسكت
على سب سيد الخلق وحبيب الحق عليه الصلاة والسلام وتتساهل في استنكار
تبرئة المتطاول على جنابه الكريم, وهي التي حشدت الطاقات وعبأت الجماهير
وأذكت نيران المنافرة والغضب, غير آبهة بالقمع ولا بالترهيب في سبيل
إفشال تعديلات هامشية على كلمات في النشيد وخطوط في العلم, ثم تجمد
كالثلج وتصمت مثل القبور عندما تعلق الأمر بسب المعصوم وفك أسر غر غمر
شكك في عدالة خير خلق الله ورماه في دينه ومعاملاته زورا وافتراء بما
يصم الأسماع ويعمي الأبصار ويدمي القلوب .
إن كلا الفريقين والقطبين المشكلين لأركان الساحة السياسية في البلد
أغلبية ومعارضة يتحملان المسؤولية في إصدار حكم الخميس الأسود الشارد عن
شريعة الله إذ من بدهيات الفكر الديمقراطي الحديث أن الأغلبية هي الفاعل
الأول والمسؤول المعني بتنفيذ الأحكام واتخاذ القرارات ,وأن المعارضة هي
الأداة الرقابية والعين الناقدة لسياسات السلطة الحاكمة .
ولقد التقى الخصمان واعتنق الغريمان على نقطة خاطئة وكلمة نشاز قالوا
فيها نعم لمسامحة المسيء وأسقطوا حقا لا يملكونه عن من لا يستحق سوى ضربة
قاضية أو طعنة قاصمة أو رمية قاتلة, ملغين على نحو فاضح سافر حق الرسول
صلى الله عليه وسلم في الثأر له من معتد ظلما وبهتانا على عرضه الشريف,
عبر تقاسم أدوار وتعاون غير مكتوب بموجبه تبرئ السلطة ساحة المجرم المسرف
على نفسه, في انتهاك صارخ للدستور الموريتاني الذي يمثل الإسلام المصدر
الوحيد للتشريع فيه, وفقا للمذهب المالكي الذي لا توبة فيه لمن سب معصوما
أو شتمه تصريحا أو تعريضا .بينما تترك المعارضة الحكم المشؤوم يمر دون
أدنى اعتراض عليه أو إدانة لفحواه حتى لا تبدو الأغلبية أكثر منها مسارعة
في الغرب الكافر أو أكبر منها نصيبا في الولاء والانحياز لأجندته
الاستعمارية المستفزة .
طبيعي جدا في هذه الانهزامية المقيتة التي اتشح بها ساسة البلد حيال هذا
الجرم المدمدم أن أبتت السياسة ثلاثا وأبرح ساحتها وأغادر مغانيها حتى
إشعار آخر يستقيم فيه اعوجاجها وتقال فيه عثرتها لكي لا أحرج نفسي بين
يدي ربي جل وعلا حين يسألني ويحاسبني على تهاون حزب ما في إنكار خطيئة
القرن وسوأة الدهر ووصمة القطر بصفتي أحد أفراده, ولأعتذر إلى سيدي
وحبيبي صلى الله عليه وسلم حينما أرد عليه الحوض مهيض الجانب مضطرب
المفاصل ذابل الشفتين عرق الجبين في مسيس الحاجة إلى جرعة باردة تبل
الحلق وتطفئ نار الصدى البرزخي والمحشري الشديد ببراءتي من كلتا الفئتين
التين تولتا بالتنفيذ والتساهل في النكير كبر تعطيل حد الزندقة ضد
المتحامل على قامته الشماء ومقامه المنيف .
أفديك يا سيدي بالنفس والمال ... وفيك أحصر أقلامي وأقوالي
إياك أنصر في عسر وميسرة ... ولا أبالي بما قد قال عذالي
لم يذكر اسمك في سر ولا علن ... إلا وأرقني شوقي وبلبالي
وددت لو أنني ترب تمر به ... أو كنت نعلك كي أحظى بآمالي
وحسبنا شرفا أن كنت أسوتنا ... نقفو خطاك بإسراع وإجفال
عذرا فإن لظى الأحزان مضرمة ... في القلب من حكم أقزام وأنذال
عذرا فلو عرفوا من أنت ما حكموا ... إلا بشرعك في عز وإجلال
إليك نبرأ يا خير البرية من ... تقصير قادتنا في قدرك العالي .