تقترب سنة 2017 من النهاية وسط جو مشحون، يطبعه بوجه خاص، قلة الأمطار هذه السنة في مناطق عدة، مما خلف وضعا صعبا، لدى بعض ملاك قطعان الماشية، وبوجه أخص الأبقار، التي تحتاج إلى مرعى واسع أو تعويض معيشي ملموس مكلف أحيانا، ليبقي على هذه الحيوانات في وضع مقبول، وهي التي تمنح الإنسان الكثير من المنافع المتنوعة، وبشهادة القرآن (ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون)، وعلى إثر هذا الوضع المطري الناقص بامتياز، سيعاني هذه السنة الريف الموريتاني بصورة أشد مهما حصل من تدخل، بسبب ربما كثرة هذه القطعان وارتفاع كلفة إعاشتها.
وبسبب الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها موريتانيا منذ نشأتها وإلى اليوم، تبعا لسوء التسيير والفساد وتناقص التضامن الاجتماعي مع تزايد التأثر بالثقافات والمسالك الواردة، وفي جو استحدثنا فيه تغييرات معتبرة في الوحدات النقدية، المرتقب العمل بها مع مطلع سنة 2018، فإنه لا يستبعد حدوث ارتباك ذي صلة بالسوق والمال عموما في نهاية السنة الحالية والسنة القادمة، على الأقل، إن لم تتحسن ظروف تسيير المال العمومي ويتحقق المزيد من التقارب والتعاون والتراحم بين الأغنياء وأصحاب الدخل المحدود.
ويلاحظ في هذه الأيام إقبال أصحاب الأموال المشبوهة وغير المشبوهة على شراء العملات الصعبة، بدل أن تفرض عليهم الظروف الكشف عن مستواهم المالي، أمام الجهات المالية الرسمية، من بنك مركزي ومصارف وخزانة عامة وغيرها.
وهو ما حرك سوق الأوراق الأجنبية على حساب الأوقية طبعا.
ولا غرابة، فالبلد استفاد فيه المئات من الناس بل الآلاف ربما في الفترة الراهنة، وفي الفترات السابقة كذلك، على حساب الغير، وبصورة غالبا غير شفافة، ولا يريدون الكشف عن هوياتهم وثرواتهم، محل التساؤل وانتقاد مصدرها، حسب تصور الكثيرين.
وعلى الصعيد الأمني والاجتماعي ما زالت عمليات السرقة والاعتداء المتنوع تجري ليلا ونهارا، على يد أفراد وعصابات منتظمة أو مرتجلة، رغم ما تبذل الجهات الأمنية من جهد معتبر لتأمين الناس وبيضتهم، لكن كثرة التسرب المدرسي وشيوع تناول المخدرات في أوساط بعض الشباب الفاسدين وضعف الوازع الديني والتربوي عندهم، يمنح هذا التفلت الأمني المشهود المزيد من الفرصة والاستمرار والاستعصاء، مما يدعو لدراسة الموضوع أكثر ومحاولة رصد الأسباب والدوافع ورسم المخارج والخطط الملائمة للعلاج الفعال على المدى القريب والمتوسط.
وفي هذه السنة جرت تعديلات دستورية كثر الخلاف حولها في الوسط الموريتاني عموما والمتسيس منه بوجه خاص، ورغم الجدل والتجاذب، استطاعت السلطات القائمة تمرير التعديلات المثيرة على رأي البعض، رغم ما ادعى آخرون على مستوى المعارضة الراديكالية أن هذه الانتخابات مسها التزوير على نطاق واسع.
وخشي البعض بوادر انقسام إن تم رفع علمين مختلفين، لكن حكمة الموريتانيين ومسالمتهم وحرصهم على وطن واحد متماسك، مهما كانت المآخذ، مكنت من تجاوز اختبار 28 نوفمبر 2017 بظهور علم واحد فحسب، رغم الاختلاف السابق إبان الحملة الدستورية، وإن كان البعض مازال يصر على أن تعديل العلم وتغيير النشيد وإلغاء مجلس الشيوخ جرى في جو غير توافقي.
ولا أريد أن أخفي تصوري حول خطورة الانقسام والتنازع، بالنسبة للرموز الوطنية الموحدة، خصوصا العلم والنشيد، ما دام الأمر قد يصل إلى حد الانقسام والمس من تماسك الكيان الوطني الواحد.
فالأفضل احتياطا استيعاب تغيير العلم والنشيد بوجه خاص، قصد تحصين مكسب أسمى، هو بقاء موريتانيا موحدة.
وليبق السجال الإعلامي والسياسي الحر في مسرحه الواسع المفترض بأسلوب سلمي حضاري، مولاة أو معارضة، ودون أن يصل الأمر إلى حد المراهنة على وحدتنا الوطنية، مهما كانت نواقصها ودواعي تقويتها وترسيخها وتكريسها عمليا لصالح الجميع، بصورة عادلة متوازنة.
وفي هذه السنة أيضا حصلت هزة معتبرة، بسبب حكم استئنافية نواذيبو في شأن المسيء، حيث اعتبرت جهات شعبية واسعة أن الحكم الصادر لا يتناسب مع حجم الإساءة في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما ترتب عليه احتجاج واسع، رغم المنع الرسمي لهذه الاحتجاجات، غير أن السلطة لاحقا غيرت المادة القانونية المعنية، لتفي وتسمح بإصدار حكم الإعدام ضد أي مسيء لله أو ملائكته ورسله عليهم السلام.
وسيظل هذا الموضوع محل نظر ومتابعة عند الرأي العام الموريتاني، حيث الرهان قوي وجاد ضد الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما ينتظر على مستوى المحكمة العليا إعادة المعاملة مع ملف ولد أمخيطير، بما يليق بشناعة فعلته السيئة المسيئة.
وعلى صعيد المسألة السياسية الوطنية عموما، ستظل الحاجة الماسة، حاضرا وفي المستقبل المنظور، لمزيد من الجلوس لطاولات التفاوض والحوار والتفاهم بين مختلف الفرقاء السياسيين الوطنيين، عسى أن يهتدي جميع المعنيين إلى خارطة طريق تحفظ هويتنا الحضارية الإسلامية بقدسية وصرامة واستمرار، ووحدتنا الوطنية واستقرارنا الأمني، وتؤمن التفاهم السياسي، ولو بحد أدنى يمنع الصدام والتدابر والتمزق المخيف.
ومن الضروري التنبيه على أن سيطرة المؤسسة العسكرية والأمنية على الوضع في أغلبه وتوق المدنيين باستمرار لخلافة أبناء هذه المؤسسة في دفة الحكم وغموض الاحتمالات في هذا الصدد، وبوجه خاص احتمال التجريء على الدستور مرة أخرى، عبر إلغاء القفل الدستوري على مستوى الجمعية الوطنية، ليسمح ذلك بمأموريات رئاسية مفتوحة، رغم صعوبة هذا المشهد والاحتمال.
كل هذا يدعو للحاجة الحقيقية لحوار جديد وبلا شروط مسبقة من طرف أي جهة، لنتمكن من العبور الآمن، بعيدا عن العنف والتجزئة والصراعات، غير المستبعدة في حالة الأحادية أو المسارعة للشارع بلا حساب وحذر.
وباختصار الوضع الراهن والأفق المرتقب يلح على ضرورة التعقل وبعد النظر.
وختاما يلاحظ في عاصمتنا الاقتصادية المعتمدة بوجه خاص على الصيد البحري ترجيح المنافع السريعة الضيقة على حساب خدمة قطاع الصيد بصورة متوازنة، تؤمن خدمة الميدان المذكور والمشتغلين فيه والصالح الوطني عموما، دون المجازفة بالبيئة والثروة البحرية السمكية، المتناقصة المتضررة على وجه مفزع لافت مريب.
وقد باتت نواذيبو تعيش تحت رحمة شركات الموكا أو دقيق السمك، التي لوثت جو المدينة وشاطئها المتهالك تدريجيا.
ورغم الإجراءات الحكومية، إلا أن شركات الموكا وأضرارها البيئية والصحية أصبحت حديث أغلب سكان نواذيبو، وأحد أهم شواغلهم ونقاط إجماعهم تقريبا.