خلال بثها التجريبي دأبت قناة الرياضية المستحدثة مؤخراً من طرف التلفزيون الموريتاني على بث لقطات من تصريح لرئيس الجمهورية خلال زيارته لاتحادية كرة القدم قبل أشهر من الآن ، وهو يردد : الرياضة هي الصحة ، في محاولة منه على مايبدو لحث الشباب الموريتاني على الولوج لهذا القطاع الحيوي الهام ، والذي أصبح رقما من أهم ركائز الاقتصاد في بعض دول العالم ، والآدات الأسهل للتعريف بثقافة الشعوب والمجتمعات .
الرياضة باتت في بعض الدول تتقدم على الكثير من القطاعات الأخرى التي كانت تزاحمها في السابق ، حتى عندنا في موريتانيا انفصلت منذ سنوات عن الوظيفة العمومية ، والشغل ، والثقافة ، الذين كانت تابعة لهم ولم يعد يلازمها سوى الشباب ، والمرجح أنها سوف تتغلب عليه إذا ما واصلت على نفس المنوال ، بالرغم من سعي الفاعلين في قطاع الشباب جعلها وسيلة لترقية الشباب وتطوره وليس غاية في حد ذاتها ، .
ويبدو أن الفاعلين في قطاع الصحة بدورهم باتوا يشعرون بأن الرياضة تزاحمهم في ذلك القطاع الذي يعتبر من أهم قطاعات الدولة ويحظى باهتمام واسع من طرف الحكومة ، لأنه بالنسبة لهم مادام الرئيس يعتبر الرياضة هي الصحة فذلك يعني أن دورهم في الخريطة المحلية بات هامشيا ، و لم يعد كما كان وأن الدولة انصب اهتمامها نحو هذا القطاع الذي كان في السابق عبارة عن حقيقة وهمية ترمى في سلة المهملات عند تشكيل أي حكومة ، لا يزورها زائر ولا يدورها دائر .
ومع مجيء الاتحاد الجديد بقيادة الشاب الطموح أحمد ولد يحيى قبل سنوات وجدت الدولة نفسها مرغمة على مسايرة ذلك التوجه ، بعد لقاء تكتيكي جرى الرئيس بين ومكتب الاتحادية المنتخب ، اتفق الطرفان خلال اللقاء على جملة من الأمور أبرزها انتشال المنتخب الوطني من المركز الأخير ، وهو الخيار الذي كانت الحكومة ترى أنه شبه مستحيل ، وسوف يرمي في النهاية بمن التزم به في قائمة التجاهل ، لكن الشباب الجدد كانوا أذكياء في طرحهم وبرنامجهم ؛ حيث ركزوا جميع اهتماماتهم على بطولة الشان ووصلوا بالمنتخب المحلي لأول مرة في تاريخه لنهائيات قارية .
وقد تلا ذلك إقناعهم إمبراطور الفيفا السابق جزيف بلاتر بزيارة موريتانيا على الرغم من كونها البلد الذي طالما اعتبره الرياضيون بلد بلا رياضة لا ملاعب ولا منشآت ولا منتخب ولا أندية ولا نخبة رياضة ، جاء بلاتر حاملا معه مشاريع كروية مميزة ، فتضاعفت الثقة بين الحكومة والاتحاد الوليد مع تزايد الزيارات لقادة الهيئة الكروية الأهم في العالم حتى جاء الرئيس الجديد جان إفانتينو والذي كانت موريتانيا من أول محطاته على الرغم من تصويتها لخصمه .
ثم جاءت فكرة الجوائز السنة لكرة القدم التي دأب الاتحاد الكروي على تنظيمها بشكل دائما منذ أربعة أعوام وقد دعى لها في السابق العديد من الشخصيات الرياضية في العالم من أبرزهم دون شك رئيس الاتحاد الأسباني ورئيس الاتحاد الأفريقي ونجم الكرة المغربية عزيز بودلباله و الجزائري الأخضر بلومي و السنغالي الحاج ديوف ومواطنه خليلو فاديغا وصولا للعاجي ديديه أدروغبا ، وقد ظهروا وهم يرتدون الزي الموريتاني الدراعة .
كل هذا الاهتمام وحرص الرئيس نفسه على حضور مباراة السوبر التي تقيمها الاتحادية سنويا تزامنا مع عيد الاستقلال ، جعل أسرة القطاع الصحي تشعر بالغيرة وتخاف من سحب البساط من تحت أقدامها ، فقام بعض الدكاترة الذين لديهم سمعة طيبة محاليا ، يتهجمون على الحفل السنوي لتكريم نجوم الموسم الكروي ، واعتبره معظمهم تبذيرا لأموال كان يجب أن تصرف على المرضى وبناء منشآت صحية وشراء سيارات إسعاف ، وهي محاولة لجلب تعاطف الشارع الموريتاني وتجييشه للثورة على الاتحادية ..
لكن كل ذلك لم يعد ممكنا لأن الحكومة راضية كل الرضى عن ما يقوم الاتحاد الموريتاني للكرة والدليل على ذلك قبولها فتح القناة الرياضية ووضعها تحت شرف اتحاد الكرة ، وكذلك قبولها استضافة المؤتمر القادم لمكتب الفيفا ، ونفس الشيء يحصل مع الجمهور والشارع المحلي بشكل عام ، فلم تعد أحاديث الفساد وتبذير الأموال الطائلة أسلحة مجدية ، لأن الرياضة تعودت منذ تأسيس أن تأخذ من الدولة ولا تعطيها أي شيء ، في حين يؤكد أعوان ولد يحيى أن تكاليف كل هذه الحفلات تتحملها شركات تجارية ولا علاقة للدولة بها .