في خضم واقع سياسي يرتمي في أحضان الاحادية الحزبية، ويُسدل عليه العزوف عن العمل السياسي ذي المرجعية الإسلامية ظلاله، كان لزاما على التجمع الوطني للإصلاح والتنمية ـ تواصل ـ أن يُنشأ كيانا سياسيا يجعل العمل السياسي عملا ممنهجا مبنيا على أسس ومبادئ تتحدد فيه الرؤية الفكرية الواضحة الجلية. كان ذلك حين أعلن عن ميلاده في 20 ـ رجب 1428 الموافق 3 أغسطس 2007 ليكون بذلك ترجمة فعلية لجهود كبيرة ومحاولات متكررة بُذلت من أجل قيام
هذا الصرح السياسي الفريد، وإيذانا بوجود مولود سياسي جديد..، وإذا كان ميلاد الحزب قد أملته ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية للوطن، إلا أن تلك الظروف التي كانت السبب الرئيسي وراء نشأة الحزب، لم تجعله يأتي من فراغ وإنما أُنشأ وفق مبادئ وأسس ورؤية فكرية ونظام أساسي وداخلي واضح حيث تتحدد الخطوط العريضة والمبادئ العامة للحزب. لكن يبقى أن نتساءل ونحن على مشارف المؤتمر الثالث عن مميزات الحزب وظروف نشأته والتحديات التي واجهته طيلة مسيرته ؟
يتميز حزب تواصل منذ الإعلان عن تأسيسه بديناميكية إصلاحية تجديدية واسعة، كان الحزب يهدف من خلالها إلى تحقيق إصلاح وطني شامل ينهض بالوطن على مختلف الاصعدة السياسي منها والاجتماعي والاقتصادي والعلمي والثقافي، بحكم عمق انتمائه إلى الهوية الافريقية العربية الإسلامية المنفتحة على الكسب المعرفي والارتباط بالإرث الحضاري الإنساني الخالد، المستوعب للخطاب السياسي المتقلب والمحيط بجل إشكاليات السياسة المعقدة، لقد عمل الحزب منذ البداية على أن يسهم مع سائر الوطنيين المخلصين في خدمة هذا الشعب، بناء على مصالحه للخروج من حال الضعف والتخلف، إلى الانطلاق في سبيل الرقي والتحضر يترسَم في ذلك خطى المصلحين والمجددين الذين حملوا مشعل الإصلاح والتنمية على حد تعبير ابن القيم " إن من الصفوة أقواما منذ أن استيقظوا ما ناموا ومنذ أن قاموا ما قعدوا فهم في صعود وترق، كلما قطعوا شوطا نظروا قصور ما كانوا فيه فاستغفروا " كانت تلك ميزة فتية ءامنوا بربهم جعلوا إصلاح المجتمع أولى الأولويات للخروج به من ضيق التيه والحيرة إلى سعة الحياة السعيدة والرفاه وعبادة لله دون استعباد العباد، معتبرين حزبهم حلقة من بين تلك الحلقات الوطنية الإصلاحية التي تسهر على مصلحة الوطن، حرصا منهم على أن يكون مجمل مواقفه وتصرفاته وبرامجه مستمدة من الثوابت الوطنية التي ينص عليها الدستور، ومن مرجعية إسلامية أصيلة تقوم على تعاليم الإسلام ومبادئه ومقاصده العليا، ومن قراءة اجتهادية تجديدية واعية لتراثنا الفكري والحضاري من جهة، وللكسب الإنساني عموما في أرقى مستوياته وفي كل مجالاته بما يتلاءم مع خصوصياته الوطنية وينسجم مع القيم والمقاصد العليا للوطن من جهة أخرى، كما اعتبروا أن الدور الإصلاحي والتجديدي أصبح دورا مضافا يستدعي منه بذل مجهود مضاعف بعد مرحلة التأسيس وصولا إلى مرحلة بناء الدولة الديمقراطية القائمة على التعددية والتداول السلمي على السلطة وإدارة الخلافات من خلال الحوار بدل الصراع والإقصاء، كما تحدد ذلك رؤيته الفكرية التي ينطلق منها وعليها يؤسس مجمل مواقفه ومقترحاته وبرامج عمله ذات العلاقة بالواقع المعيشي للوطن والمواطن..وإذا كان الحزب يعتبر أن الإسلام دين الشعب ولا يدعي بأي حال أنه يحتكر شيئا منه، أو أنه ناطق باسمه، ولكن الاشتراك في الانتساب إلى الإسلام لا يلغي الاجتهاد في الفهم والحرص على سنن التكيف وسلامة التنزيل، وهو يسعى بكل جهد إلى توضيح ذلك الفهم دون مصادرة الأفهام الأخرى والاشتراك مع الآخرين في التنزيل بما يتلاءم مع المنسوب المستقر في ضمير الشعب الموريتاني عبر القرون مع منزع إصلاحي اجتهادي يقاوم في آن واحد الأفكار الميتة التي تتدثر بالأصالة وترفض المعاصرة والأفكار المميتة التي تعتنق حداثة منبتة عن أصالة وهوية المجتمع وثقافته، وذلك خلل تسرب من عهود التخلف القديم والاستعمار الحديث تصدى له المصلحون، ولأن كان الإسلام باعتباره مرجعية عليا يؤسس عليها الحزب رؤيته ومواقفه، وفي تمثلاته المتعددة التي تمتد إلى الإيمان بما يعمر الحياة الدنيا من الأعمال، كالإيمان بالحرية والعدل وحفظ حقوق الإنسان وعلى رأسها حق الحياة وحق الكرامة الإنسانية، والإيمان بالأخوة والتكافل الاجتماعي والشورى، دون أن ننسى التسامح والوسطية والإصلاح والأمانة والعطاء التي بناها الحزب على المبادئ والرؤى والقيم الأساسية..، وانطلاقا منها، وتأسيسا على المنظومة القيمية العرفية، كان لزاما على الحزب أن يميط اللثام عن المنظومة القيمية التي أفرزتها العولمة، بتنامي التفاعل سلبا وإيجابا معها، وينزع هذا التدافع، إلى الإلحاق الثقافي القيمي الذي يهدد الخصوصيات الثقافية بالذوبان والتلاشي الذي يترجمه الإفلاس في عالم القيم والأخلاق بمعناه الواسع، وهو أقصر طريق يمكن أن يقود المجتمع إلى الهاوية مهما بلغ من التكديس في عالم الأشياء..لأن ذلك إذا ما تم في انفصام عن القيم فإنه سيؤل إلى الإفلاس والاضمحلال لا محالة.
ويسعى الحزب باعتباره اليوم حزبا ديمقراطيا ذا مرجعية إسلامية يظل حريصا إلى ترجمة هذه المرجعية في منظومة من القيم وتمثيلها في مختلف تعبيراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حتى لا تظل تلك المرجعية شعارا فارغا لا مضمون له في الواقع، وهذه المنظومة القيمية وإن كانت تختلف كثيرا مع جملة القيم الإنسانية المشتركة وخاصة منها ما يندرج ضمن مفهوم مكارم الأخلاق الذي هو من جوهر الرسالة الإسلامية، إلا أن تميزالحزب يكمن بإضفاء مضمون خاص لكل قيمة من تلك القيم المشتركة يستمده من مرجعيته الإسلامية، وتأتي في مقدمة هذه القيم العليا التي يحرص على تمثيلها والاستهداء بها قيم الحرية والكرامة والعدل والتسامح والشورى والتكافل والوسطية والإصلاح والأمانة والأخوة، وهي قيم تعد قيما مفتاحية جامعة ومتكاملة ومتضمنة لمختلف القيم والمبادئ الأخرى.