لا يُذكّر حال اللغة العربية الْيَوْمَ بشيء أكثر ممّا يذكّر بحال الأمّة العربية نفسها، بل هما معاً وجهان لعملة واحدة، وهي للأسف عملة لا تسرّ صديقا، ولا تغيظ عدوًّا.
هذه أُمَّة مهدّدة في وجودها وبقائها، ولذا فمن الطبيعي أن تكون جبهة اللغة العربية إحدى أهمّ وأخطر واجهات الصراع بين الأمة وأعدائها، فمسخ الهوية يظلّ أفضل السبل وأنجعها لبسط النفوذ وتحقيق سياسة الابتلاع الشامل، بكلّ أبعادها الحضارية والسياسية والثقافية والاجتماعية..
ولأنّ لغتنا رافعة اقتصادية وتنموية، إضافة إلى كونها وعاء ثقافيا لخصوصياتنا الفاعلة، لهذا يتمّ استهدافها من قبل أعدائنا الذين لا يريدون لنا ولا للغتنا علوّا في الأرض بقدرما يريدون الفساد.
والغريب أن يلقى ذلك الاستهداف الخارجي استجابة واضحة من جهات وأفراد في الداخل، فيعملون على تشويهها، متّهمينها بالعجز والجمود!
بيد أنّ الأغرب من كلّ ذلك روح الاستسلام والتبعية والهزيمة النفسية، مُمثّلة في غياب ردود فعل ناجعة وإجراءات واقعية من طرف الجهات الرسمية والمؤسّسات الثقافية والمختصّين في هذا المجال.
فعلى سبيل المثال تمتنع الدولة عن تفعيل القانون الذي ينصّ على أنّ اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، ولهذا تظلّ لغة المستعمر (الفرنسية) لغة الإدارة والاقتصاد و"الحركة العلمية"..
كذلك لا تبدو أيّ بادرة ترمي إلى تسهيل استخدام اللغة العربية في مجال تكنلوجيا المعلومات والاتّصال، ولا أيّ خطوات جادّة في ميدان البحث اللساني المقارن.
ولعلّ من أصعب التحدّيات التي ما زالت تواجه اللغة العربية إشكالية تعريب المصطلحات العلمية والصيغ الجديدة بالشكل الدقيق والسّلس ممّا يتيح لها فرصة التجدّد والاستعمال العلمي والانتشار. هذا مع تأخّر ملحوظ في مجال الترجمة الآلية والمعالجات الآلية.
أمّا تواضع جهود المختصّين والمشتغلين على اللغة فعنه حدّث ولا حرج، إذ لا جهود تُذكر على صعيد تيسير استعمال اللغة العربية في الحياة، ونزع فتيل التعقيد عن بعض جوانبها، وتذليل صعوباتها، وتبسيط القواعد النحوية والصرفية..
إن اللغة العربية لا يكفيها فقط ما تحمل من عوامل القوّة، وهي أنّها لغة معجزة القرآن، وذات مرتبة متقدّمة في الترتيب العالمي للّغات، وأنّها لغة حضارة امتدّ إشعاعها على أرجاء المعمورة، وأنّها أيضا لغة اثنين وعشرين بلدا عربيًّا، ولغة عقيدة لما يناهز المليار ونصف المليار مسلم. لا يكفيها ذلك فقط بل إنّ القاعدة تبقى دائما هي أنّ اللغة - أيّة لغة - تحيا بالتخطيط والتدبير والتمكين وتموت بعكس ذلك.
ذاك هو التحدّي الذي يواجه لغتنا الجميلة، فمتى نكون على قدر هذا التحدّي.