احتفلنا يوم أمس الاثنين 18 من ديسمبر باليوم العالمي للغة العربية؛ وكان فرصة لنرى الكثير من أبناء هذه اللغة، وقد تعلقت بها قلوبهم؛ سحرتهم ببيانها، واشتاقوا لأن يروها معززة مكرمة في وطنها؛ موحَّدة وموحِّدة في مجال الإدارة والتعليم، والمرافق الحيوية عموما في كل الوطن العربي.
على مستوى الجمهور العربي، فإن هناك وعيا بالمسؤولية عن النهوض باللغة العربية، لكن على المستوى الرسمي لا جديد يذكر؛ إن خلد يوم من أيام العربية؛ فإنما هو تخليد باهت
منافق في أغلب الأحيان؛ يكرر نفس الكلمات، في حين أن المستوى الرسمي وحده هو القادر على تفعيل الدساتير العربية التي تنص كلها على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلد؛ وفي موريتانيا تنص المادة السادسة من الدستور على هذا الأمر.
ما مشكلتنا إذن؟!
إن مشكلة اللغة العربية اليوم (أو مشكلتنا نحن أصحابها على الأصح) ليست مشكلة بنيوية؛ فكل اللغات اليوم قادرة على ترجمة ما هو جديد خارج إطارها، والنهوض حسب ما يتاح لها من موارد، ولا توجد لغة اليوم يستطيع أصحابها التموقع حول ذواتهم ورفض الآخر ولغته، بما في ذلك اللغة الإنجليزية؛ فاللغة العربية إذن لا تحتاج سوى مشاريع وطنية عربية؛ توحد المصطلحات وتؤسس لنهضة في مجال الترجمة، وحينها ستؤدي الفصحى دورها على أكمل وجه!
أكرر مرة أخرى: ما المشكلة؟
المشكلة أساسا في محيط اللغة أو سياقها الخارجي؛ فلننظر لذلك من خلال ثلاث نقاط:
1 - الإنسان العربي: كما سبق؛ أغلب العرب اليوم أصبح يعي المشكلة ويبحث عن الحل، ويعرف أن المشكلة ليست بنيوية كما سبق. لكن ما زال بين أبناء اللغة العربية من لا يهتم بالمسألة اللغوية؛ ويكفيه من الحياة "شبع ورِيٌّ"، وهذا للأسف هو الغالب؛ بسبب الجهل والتخلف، ويلحق بهذا تغريبيون؛ انبهروا بقشور الثقافة الغربية، وجهلوا عمق تلك الثقافات الذي يقوم على "التعصب" اللغوي الإيجابي.
2 - المستوى العربي الرسمي: ولنكن على قدر من الصراحة، ولنقل إن الحكام العرب "ومن تبعهم بغير إحسان" لا تعنيهم اللغة في شيء؛ ومن فرضت عليه منهم تظاهرة أو موقف يضع العربية في الاعتبار فإنما يصدر منه لا يعدو نفاقا مرحليا؛ ينتهي بانتهاء مسببه؛ فالمشكلة إذن عميقة، وهي جزء من سوء التسيير القائم في الوطن العربي العزيز.
3 - المستوى الدولي: اللغة العربية لغة الدين الإسلامي؛ وقد أعطاها ذلك دفعا قويا؛ فصارت معروفة ولغة ثانية في أغلب الدول الإسلامية، ويزداد اهتمام العالم بها يوما بعد يوم، وقد حدثنا أستاذنا الدكتور يحيى البراء قائلا إن ما ينفق عليها في جامعتي "هارفارد" و"بوسطن" الأمريكيتين أكثر مما تنفقه وزارات التربية في الوطن العربي مجتمعة!
العربية ناهضة، وقادرة على النهوض بنا؛ إذا نحن استطعنا مرافقتها، وإن بقينا في الحضيض؛ نلهث خلف "منح الآخرين"؛ فإن القافلة العربية تسير....