تعرف بلادنا هذه الأيام تحولا نقديا فريدا من نوعه يتم بموجبه إلغاء بعض الأوراق النقدية المتداولة و تحيين صفر من قيم الأوراق النقدية الباقية مع استبدال أوراق نقدية من الحديد بأخرى ورقية و مع إضافة لمسة تقنية على الأوراق المالية الجديدة، و خفض حجم الأوراق المتداولة.
إن هذه العملية لما لها من أهمية بالغة و ما تكتسيه من طابع الجدية في النهوض بالاقتصاد الوطني و لما سبقها من بحث متأني و تدقيق في المخاطر و تجنب لإرباك الاقتصاد الوطني إلا أنها تطرح عديد التساؤلات حول الكثير من النقاط ذات الأهمية القصوى.
لكن قبل الخوض في تلك التساؤلات كان لا بد لي من المرور على مزايا هذا الاجراء مهنئا كل من ساهم فيه من قريب أو بعيد خاصة فخامة رئيس الجمهورية و معالي وزير المالية، الذي و بالمناسبة لا يمكن أن يوصف بتلك الاوصاف التي يعمد البعض لوصفه بها. كما لا يفوتني طبعا أن أنوه بمحافظ البنك المركزي و أتمنى له التوفيق هو و طاقم البنك في هذه المهمة النبيلة و الشجاعة.
إن الناظر لهذه العملية من منظور اقتصادي بحت يتأتى له ان يرى ما لها من إيجابية على مستويات عدة، خاصة أن هذا التحول سيؤثر تأثيرا إيجابيا على التداول النقدي داخل البلد كما سيعطي ثقة كبيرة في قوة و صلابة العملة لدى المستثمرين المحليين و الدوليين، كما أنه سيخفف الأعباء على الدولة نظرا لأهمية عمر العملة في تخفيف تكلفة انتاجها، مما له اثر إيجابي على المدى القصير على النفقات في هذا المجال.
هذه العملية يبررها حجم التداول المحلي و كذلك يبررها تعداد السكان خاصة إذا ما علمنا أن بلادا كثيرا يزيد عدد سكانها بأضعاف مضاعفة عن موريتانيا تعتمد عددا قليلا من الأوراق المالية و تبتعد في غالب الحالات عن انتاج أوراق مالية غير مقاومة للعوامل التي تضر بها.
كما أن لها مبررات أخرى إيجابية تتعلق بسهولة الفرز و صعوبة التزوير و المحاكاة التي تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني.
لهذا التحول أيضا إيجابية أخرى حيث سيسمح بتحريك الأموال المجمدة لدى الكثير من المواطنين و الغير متداولة في النظام المصرفي مما يعني أن السيولة النقدية سترتفع إيجابا.
الإشكالات القانونية المتعلقة بهذا الاجراء
الهدف من هذا المقال هو لفت الانتباه إلى بعض الإشكالات القانونية التي ينبغي على الحكومة النظر إليها قبل الشروع في تطبيق هذا الاجراء و التي للأسف انتظرت أسابيع لأسمع عنها شيئا و لم يتأتى ذلك، فكل من قابلتهم الإذاعات المحلية، و المقابلات التلفزيونية لا يتحدثون إلا عن الإيجابيات و لم أرى مقالا واحدا يثير قضية الإشكالات القانونية المتعلقة بتغيير وحدة العملة الوطنية.
مما جعلني أسرد هنا بعض الإشكالات المتعلقة بهذا الاجراء فمن الإشكالات التي ينبغي النظر اليها بتمعن :
بعد اطلاعي على التبيان الذي قدمه البنك المركزي حول هذا الاجراء إلا أن هذا التبيان لا يرقى لقوة النصوص القانونية التي تعرض بشكل محدد لمبالغ مالية معينة. كما أن بعض الأجهزة التي تطبق القانون لا تخضع لسلطة البنك المركزي و لا يمكن أن يلزمها تبيانه إلا فيما يتعلق بصلاحياته كمؤسسة مكلفة بالتسيير المالي للعملة الوطنية و تحديد قيمتها، اما فيما يتعلق بالمبالغ المعبر عنها في النصوص القانونية فإن هذه المبالغ ستتضاعف قيمتها بتغيير قيمة الأوراق النقدية، مما يسبب اشكالا ينبغي اخذه بعين الاعتبار.
و هنا اعرض لبعض الأمثلة التي ينبغي النظر فيها لضمان ملائمة الاجراء مع القوانين المعمول بها :
الراتب القاعدي المضمون:
ينص قانون الشغل على أن الراتب القاعدي يتم تحديده بمرسوم (décret) مما يعني أن المرسوم الحالي في صيغته الحالية و التي تم اعتمادها في العام 2011 يتعارض مع الاجراء المتعلق بوحدة العملية، حيث ينص على ان الراتب القاعدي 30.000 أوقية أي ما يعني أن هذا المبلغ المحدد سترتفع قيمته إلى 300.000 ألف أوقية بحكم الصيغة الجديدة للعملة الوطنية.
إن هذا الاجراء أيضا يتطلب تعديل المدونة العامة للضرائب (Code Général des Impôt) بالنسبة لما يتعلق بالمبلغ المعفي من الضرائب بالنسبة للرواتب (Abattement) ، و الذي يحدده قانون المالية السنوي و هو الآن بحدود 60.000 أوقية، و سيصبح تلقائيا يوم 01 يناير 2018 يساوي قيمة 600.000 أوقية من العملة القديمة.
ينطبق هذا الخلل كذلك على جميع النصوص القانونية و الاحكام القضائية التي سيصدرها القضاء الموريتاني ابتداء من يوم 1 يناير 2018 حيث أن صيغة الحكم القضائي ستتضمن العبارة التالية : ( حُكم على المتهم بدفع غرامية مالية قدرها 50.000 أوقية، و ذلك طبقا للمادة رقم كذا و كذا من القانون رقم كذا و كذا، الصادر بتاريخ كذا و كذا، و هنا سيجد المتهم نفسه مضطرا لدفع مبلغ خمسين ألف أوقية الذي أصبح يساوي قيمة 500.000 أوقية.
كما ينطبق هذا الاجراء على كل نص قانوني يحدد مبلغا معينا لأي إجراء أيا كانت طبيعة، سواء كان طوابع بريدية أو ضرائب جزافية أو تكاليف مالية معينة للحصول على خدمة عمومية مهما كانت طبيعتها.
لذلك يجب على الحكومة أن تنظر في طريقة قانونية للخروج من هذا المعضل الكبير على تفاوت في الحالات.
و الله من وراء القصد