يا نُخبَ لعصابه ما كل كتاب يقرأ من عنوانه..! / المصطفى بن أمون

لقد تفاجأتُ وربما صدمت كغيري من المتابعين والمهتمين بالشأن الثقافي في
ولاية لعصابة الحبيبة ودون سابق دعاية أو تأطير أو إنذار, أو حتى إعلان أو تعميم أو إشعار... على أيّ منبر من منابر الإعلام المحلية بهذه
الولاية العزيزة وما أكثرها بانطلاق: مهرجان ولاية لعصابة الثقافي ببلدية أغورط وبحضور والي الولاية ومساعديه عسكريين ومدنيين وعمدة البلدية وجمع من سكانها المحليين..!!!
وبادئ ذي بدء أودُّ أن أسجّل الملاحظات الثلاث التالية:

الملاحظة الأولى: من نافلة القول أنه لكل أحد الحق في أنْ ينظم مهرجانا
ثقافيا أو سياسيا أو اجتماعيا... أنّى شاء ومتى شاء وكيفما شاء.. ويدعو
له من شاء ويقصي منه أو عنه من شاء..,
الملاحظة الثانية: هي أنّ كل أحد من سكان هذه الولاية الحبيبة ومهما كان
وأياً كان ومن أيّ مقاطعة من مقاطعاتها الخمس كان أو من أيّ بلدية من
بلدياتها السبع والعشرين كان.. مؤتمن على ولايته بل ومؤتمن على ثقافتها
وسياستها وسمعتها ورفعتها وكل ما يمكن أن يساهم في الرفع من مستواها
العلمي والثقافي والاجتماعي وحتى السياسي ولم لا؟؟! بل هكذا يجب أن يريد
ويعمل ويجتهد ويكون...
الملاحظة الثالثة والأخيرة هي: بكل تأكيد أنّ هذه الولاية العزيزة علينا
جميعا تشهد وللأسف الشديد ركودا ثقافيا مضن ومُميت منذ ردح من الزمن ليس
باليسير أو القصير..!! ولقد كتبت في ذلك أكثر من تدوينة ومقال دون أن تجد
آذانا صاغية أو همما عالية حامية أو حانية..!! وبكل تأكيد أنها في أمسّ
الحاجة إلى من ينتشلها أو ينتشل أيا من مقاطعاتها أو بلدياتها من براثن
الجهل والحرمان والتهميش..., وبكل تأكيد أيضا وأكثر مما مضى أنَّ أيَّ
أحد من أبنائها أو أطرها أو ساستها أو قادتها.. يحاول أن يضيء شمعة
ثقافية مهما كان حجمها ومستواها في أيّ بقعة من بقاعها المعتمة جهلا
وفقرا وحرمانا ونسيانا...!! يستحق علينا وبكل جدارة واستحقاق أن نشيد به
ونؤيده وندعمه وأن نشدّ على يديه وأن نثمّن مجهوده وأن نآزره.. ما
استطعنا إلى ذلك سبيلا, بكل جهد أو حيلة أو مقال أوْ قيلا...,
لكن صدقوني: ما كل ما يتمنى المرء يدركه.., إنّ أيّ عمل ثقافي يُراد له
أنْ يكون ذا جدوائية وذا قيمة ومما ينفع الناس ويمكث في الأرض... ينبغي
للقائمين عليه أن يُحضّروه تحضيرا مديدا وأن يأطروه تأطيرا فريدا وأنْ
يدعى له كل مهتم أو ذا قلم أوحرف أو قصيده, أو صاحب موهبة غضة قوية
فريده.. وأن ينادى به في كل المنابر والحواضر والساحات, وأن يحسّس له في
كل الدروب والزوايا والحارات.. حتى يأتي أكله ويجنى حصاده ويستحق أنْ
يطلق عليه بعد ذلك كله مهرجان لعصابه الثقافي أو لا يكون, لا أن يكون
اجتماعا باهتا بعيدا عن الأضواء والجمهور والمدينة...!!
إنّ الثقافة يا سادة من ميزاتها الجميلة النبيلة والجليلة.. أنها تجمع
ولا تفرق وتتسامى وترتفع بعيدا عن كل الخلافات والمطبات والجهويات
والعصبيات والقوميات والإثنيات..., ومن سماتها الكريمة وخصالها العظيمة
أيضا أنّ الدعوة لها عادة تكون جَفلى وليست نقرى على عكس السياسة تماما,
إنّ جميع المهرجانات الثقافية والتي تنظم من وقت لآخر في طول البلاد
وعرضها وفي أكثر من ولاية من ولاياتها يحرص منظموها والقائمون عليها على
حشد أكبر عدد ممكن بها من الأساتذة والشعراء والأدباء وحملة الفكر والقلم
واليراع.. وسدنة الحرف واللغة والإبداع.. في شتى ربوع الولاية المقام بها
الحدث والمهرجان, كما يحرصون على أن تكون بقية الولايات الأخرى مُمثلة
بأكبر قدر ممكن من أدبائها ومفكريها ومثقفيها وشعرائها.., وما ذلك إلاّ
حرصا منهم على أن يكون المهرجان باذخا وناجحا ورائقا ورائعا وماتعا..
ومعبرا بأفصح بيان عن تاريخ الولاية المقام بها في العلم والثقافة والأدب
والتميزوالتألق والعطاء.. ورسوخ قدمها في العلم والمجد والعبق
والتاريخ.., وإن الشاعر يقول:
فتشبهوا بالكرام إلّمْ تكونوا مثلهم***إنّ التشبه بالكرام فلاحُ
إذاً كان على الإخوة المنظمين والقائمين على هذا المهرجان القيّم من أجل
نفض الغبار عن وجه ولايتهم المطمور ثقافيا منذ برهة من الزمن مديدة!!
أن يُحضِّروا له تحضيرا جيدا كما أسلفت وأن يستنيروا ويستأنسوا في سبيل
ذلك بالمهرجانات المنظمة في الولايات الأخرى قبلهم حتى يكون هذا المهرجان
حاشدا ونافعا ورائعا ورائقا ومميزا ومشهودا...
لا أن يكون باهتا وضامرا وبعيدا وقصيا وقاصياً.. حتى لبعض أبناء هذه
الولاية العزيزة أنفسهم الحريصين والمثابرين ما وسعهم لذلك مقام أو مقال
على الاتقاد الدائم لجذوة إشعاعها وشعاعها الرائع والضارب في المجد
والعلم والعبق والتاريخ.. وإنْ أضاعه أحفاد أحفادها.. وباعوه بثمن بخس
وكانوا فيه من الزاهدين... !!!
لقد كان عليهم على الأقل إذا كانوا لسبب أو لآخر عاجزين عن استدعاء
مُمثلين من الولايات الأخرى لحضور هذا المهرجان من أجل المساهمة فيه بكل
أوتوا من بلاغة وبيان وللتعرف عليهم وتعريفهم عن قرب بهذه الولاية
الحبيبة وبعلمائها وأدبائها وبعطائهم الثرِّ والمميز في كل الحقب
والأصقاع والميادين.. وبأمجادها وأنجادها.. ومحاضرها وحواضرها وسهولها
وجبالها وكثبانها ووديانها.. وبشعبها الطيب الكريم المثابر والمعطاء..
وبكل ما تزخر به من مجد وعلم وعبق وكنوز..., أقول إذا كانوا غير قادرين
على كل هذا مع قيمته وأهميته وأحرويته.., فلا أقلّ من أنْ يدعوا جميع
علماء وأدباء وشعراء ومفكري ومثقفي هذه الولاية الكبيرة والوفيرة... لا
أن يكتفوا ببعض سكان بلدية واحدة ومع هذا يعنونوه بمهرجان: لعصابه
الثقافي اللهم إلاّ إذا كان لحاجة في نفس يعقوب أو يعاقيب متعددين!!!
خبّروني يرحمكم الله تعالى حين تصبح الثقافة تفرقنا مثل السياسة تماما
بدل أن تجمعنا وتلمّ شملنا وشعثنا كما هو ديدنها وعادتها.. فبأيّ طود
نحتمي وأيَّ سبيل نسلك وبأيّ ظلال نستظل..؟؟؟!!
إذا مآثري اللاّتي أدلُّ بها***كانتْ عُيوباً فقل لي كيف أتخرُ؟؟
ختاما صدّقوني هذه المرة بكل تأكيد أنّ ولاية لعصابة قد تكون بحاجة لكل
شيء إلاّ شيئا واحدا وواحدا فحسب وهو: كل شيء يفرق أبنائها أيدي سباء
فهذا الهدف وحده ليست بحاجة إليه بكل تأكيد ويقين, فقد لعبت فيهم السياسة
المحلية والمصالح الشخصية والأنا النرجسية ألاعيبها ومزَّقتهمْ شرَّ
مُمزق وشتتهم أيَّما تشتيت.. وكفى الله المومنين القتال, ألا هلْ بلغت
اللهم فاشهد.

22. ديسمبر 2017 - 7:49

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا