تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي أهَمّ الوسائل التي يعتمد عليها الأفراد في التعبير عن آرائهم، وعما يجري من حولهم، وللموريتانيين مع الفيسبوك من بين الوسائل كلها نوع خاص من التعاطي والحضور لا يوجد في غيره من الوسائل، وقد وصف رئيس الجمهورية محمد عبد العزيز المعارضة في أحد خطاباته بأنها لا وجود لها إلا على الفيسبوك، مع أن القاعدة ليست على إطلاقها.
وقد تأكد لنا في هذا الظرف الزماني الذي يشهد انعقاد مؤتمر حزب تواصل الذي أسدل عليه الستار البارحة
بأن الفيسبوك يضم كل الأطياف بما فيها المعارض والموالي، ومناصرو الموالي من اللوبيات وغيرهم، بحيث تبين لنا أن رُواد هذا العالم الافتراضي أقسام تتباين مواقفهم وتختلف بحسب تباين مقاصدهم واختلافها.
فترى من بينهم مدونو المعارضة الذين يندرج ضمنهم أبناء تواصل وبناته باعتباره حزبا معارضا، وكان تعاطيهم على الفيسيوك مع المؤتمر كتعاطي أي فرد مع حزبه، لا سيّما إن كان حزبا يريد تجسيد مبدأ لم يسبقه له أي حزب من نظرائه في الساحة السياسية؛ وهو مبدأ التناوب السلمي.
لذا شاهدنا أول من تقدّم للتصويت هو من شَيَّد ذلك الصرح وبناه حتى بلغ ذروة سنامه الرئيس: محمد جميل مصور ليُصوت على من خلَفه بكل أريحية واطمئنان.
أضف إلى مدوني تواصل مدوني المعارضة من الأحزاب الأخرى الذين اختلفت مواقفهم، بحيث تجد من بينهم من تعاطى مع الحدث بروح رياضية وأشاد به، بينما كان البعض الآخر منهم يلتزم الصمت؛ لعله يعمل بمقتضى المثل القائل "إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب"، مع أن الحكمة والحنكة السياسية تقتضي أن لا يُعمل بذلك المَثل في هذا النوع من المواقف، بل ينبغي أن تتضمن هذه المواقف الاعتراف بالجميل لمن يجب أن يُعترف له به من الشركاء الموجودين معك في أي مجال سواء كان سياسيا أو غيره.
ونُنوِّه إلى أن بعض المدونيين ممن يصفون أنفسهم بالاستقلالية والتخصص في الشأن الإسلامي والغوص فيه وسبر ما بداخله، قد تعاطوا أيضا مع المؤتمر بروح تليق بمقام كلّ واحد منهم، وإن كان بعضهم لم يوفق أحيانا لإسرافه في التحليلات التي لا ينبغي أن يعتمد عليها في الأحزاب التي تقوم على المؤسسية، وإنما يُعتمد عليها في الأحزاب التي تطغى عليه المصالح أو غيرها.
لكن الحيْرة تتغلب عليك عندما تُشاهد من بين رواد هذا العالم من يسعى إلى تشويه سمعة الحزب وتزوير الأساطير التي ينسبونها إليه، بما في ذلك محاولة اختلاق زعزعة بين زعمائه بافتراءات لا علْم لهم بها تم تداولها على بعض المواقع...ولم يقتصر التطاول ولا التشويه على زعماء الحزب ولا مناضليه، بل تجاوزهم إلى ضيوفه حتى لا يسلم من ذلك المجاهد أبو الوليد خالد مشعل.
ويبدو أن أهل المواقع تناسوا ما يترتب على ذلك من وعيد دنيوي يتمثل في سقوط مصداقيتهما لدى الرأي العام، وءاخر أخروي باعتمادهما على عدم الحقيقة وتحرِّيها، وقد جاء في الحديث: ﻋَﻦ ﺍﺑْﻦِ ﻣَﺴْﻌُﻮﺩٍ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻋﻨﻪ
ﻋﻦ ﺍﻟﻨَّﺒِﻲَّ ﺻَﻠّﻰ ﺍﻟﻠﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭﺳَﻠَّﻢ ﻗﺎﻝ: « ﺇِﻥَّ ﺍﻟﺼَّﺪْﻕَ ﻳَﻬْﺪِﻱ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟْﺒِﺮِّ ﻭَﺇِﻥَّ ﺍﻟْﺒِﺮَّ ﻳَﻬْﺪِﻱ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟﺠَﻨَّﺔِ
ﻭَﺇِﻥَّ ﺍﻟﺮَّﺟُﻞَ ﻟﻴﺼْﺪُﻕُ ﺣَﺘَّﻰ ﻳُﻜﺘَﺐَ ﻋِﻨْﺪَ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﺻِﺪِّﻳﻘﺎً، ﻭﺇِﻥَّ ﺍﻟْﻜَﺬِﺏَ ﻳَﻬْﺪِﻱ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟﻔﺠُﻮﺭِ ﻭَﺇِﻥَّ ﺍﻟﻔﺠُﻮﺭَ ﻳَﻬْﺪِﻱ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟﻨَّﺎﺭِ، ﻭَﺇِﻥَّ ﺍﻟﺮَّﺟُﻞَ ﻟَﻴَﻜْﺬِﺏُ ﺣَﺘَّﻰ ﻳُﻜﺘَﺐَ ﻋِﻨْﺪَ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﻛَﺬَّﺍﺑﺎً» متفق عليه.
وهذا كله إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن حزب تواصل قد حصل على نجاح استثنائي لدى الرأي العام متجاوزا كل الصعوبات التي قد يروح ضحيتها غيره، مُكرِّسا مبدأ التناوب السلمي في جوّ تسوده الديموقراطية والإيمان بالمبادئ، ومبدأ الترشيح لا الترشح من أجل أن يظفر برئاسة الحزب من هو أَهْلٌ لها.
وقد أكد هذا المؤتمر المثالي ما لم يكن يتوقعه من لا يؤمن بالاختلاف والتعددية، بدءا بضيوفه الذين هم من صفوة الأمة الإسلامية وخيرتها، والضيوف كما يُقال على قدر المضيف، مما سيجعله مُخلدا في المستقبل ضمن عطاء الحركات الإسلامية المعاصرة.
وفي الأخير أشكر كل من حاول اختلاق زعزعة بين زعماء تواصل أو مناضليه؛ لأنهم قدموا خدمة للحزب باختلاق تلك الزعزعات، فهي لا تضره بقدر ما تنفعه، لأنه سُرعان ما خيبت آمال من دبّرها، ليتبين لهم فيما بعد أنها تزيد الحزب اصطفافا وألفة بدل التفرقة والتشتيت، كما أنني أطمئنهم بأن حزب تواصل سيظل خالدا في الأذهان متجذرا في الساحة السياسية منيرا الطريق بعطائه ونضاله، لأنه حزب فكرة، والفكرة لا تموت بموت الأشخاص، ولا تشيخ بشيخوختهم، بل تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل في حُلل أبهى وبروح أكثر مرونة مما مضى.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.