يعيش المشهد الإعلامي الموريتاني وضعا مثيرا بامتياز، ورغم ذلك لا تتحرج الجهات الرسمية، مما تعيشه صحافتنا من تراجع وغياب شبه كامل.
فمنذ أشهر توقفت كل القنوات التلفزيونية الخاصة عن البث، وظهرت قبل أيام فقط إبان مؤتمر تواصل، قناة المرابطون، بوجه لم يكتمل بعد.
ومنذ أكثر من أسبوعين توقفت الصحف الورقية الخاصة عن الصدور تماما، على مستوى المطبعة الوطنية،
ولم يظهر بديل حتى الآن، لتأمين السحب، وبحجة فقدان أوراق السحب على مستوى المطبعة الوطنية، اكتمل مشهد أزمة الصحف الورقية، بتوقف الجرائد الرسمية (الشعب ولوريزوه) عن الصدور.
وقبل أيام بسبب حادثة الزميل إبراهيم ولد أصنيب مع مدير ميناء الصداقة تعقد موضوع توزيع الدعم الرمزي السنوي، بسبب تغييب الزميل إبراهيم ولد أصنيب رئيس اللجنة خلف القضبان، دون أن تفلح الوساطات في تجاوز أزمة هذا الشجار المؤسف.
ومن المعلوم أن المفتشية العامة للدولة وبأمر من الوزير الأول يحي ولد حدمين حرمت الدعم المالي الرسمي في شكل اشتراكات وإعلانات وتكوين على الصحافة الحرة، وذلك منذ مطلع سنة 2016، مما عقد إلى حد بعيد الوضع المالي لعموم المشهد الإعلامي الحر في بلدنا.
وبحجة أو بأخرى يستمر جر بعض الصحفيين وبسهولة للعدالة والسجن أحيانا، على إثر شكاوى البعض.
فهل تضررت الحكومة القائمة من ممارسة الإعلام الحر، إلى حد ألجأها لمضايقته، أم أن الإعلاميين غير قادرين على الحفاظ على مكاسب قطاعهم، المتحصلة بعد معاناة وتجربة شاقة، وذلك منذ مطلع التسعينات وإلى اليوم، إثر إعلان التعددية وحرية الإعلام.
كما أن بعض الصحفيين بحجة غموض أسلوب ما تلقوا من أموال ولد بوعماتو، يحشرون في ملف قضائي شائك، ترتبت عليه الرقابة القضائية والتوقيع من حين لآخر، ضمانا لحضورهم ومنعهم المستمر من السفر.
والعارف بالميدان الإعلامي الحر يعرف أن كافة الصحفيين ومؤسساتهم وما تعلق بهم يعيشون أصعب الظروف المالية والمعيشية، خصوصا مع نهاية السنة وتوقع قطع نقدية جديدة.
فهل يمكن التغطية على ما يعيشه الإعلام من تراجع على ضوء هذا المشهد المأساوي المتلاحق المتزايد؟!
كما أن غياب جميع الصحف الحرة والرسمية يعتبر أكبر مؤشر على رسوخ وتعقد هذه الأزمة الإعلامية، ومع ذلك لا يبدي المهيمنون على مقاليد الحكم أي حرج تجاه هذا التعطل والتوقف المعيق للمؤسسات الإعلامية وحرية التعبير على السواء.
ومن الأكثر إثارة أيضا عدم اكتراث الإعلاميين أنفسهم وأقلامهم المنافحة لما يعيشه قطاعهم من ذبول وتوقف وتهديد بالتلاشي والاختفاء التام.
إن أي دولة تدعي الديمقراطية، لا تمتلك صحافة ورقية يومية، إدعائها باطل وغير مؤسس، ومن وجه عمومي ورسمي، ظلت تحرص الجمهورية الإسلامية الموريتانية على الإصدار اليومي لصحيفتي الشعب ولوريزوه، دون توقف، رغم كل الظروف المادية والسياسية وحتى المناخية، إلا أن هذه الأيام سجلت توقفا علنيا، دون إبداء المبررات، وعجزا عمليا عن إصدار هاتين الجريدتين الرسميتين اليوميتين.
فما هي مشكلة صحافة موريتانيا الحرة والرسمية على السواء، وما هي المعضلة التي تعانيها المطبعة الموريتانية، المهيمنة على مشهد السحب، خصوصا أنها تعيش شهرها الثالث دون تسديد مستحقات عمالها، وفي الأخير عجزت بصورة تامة عن إصدار أي صحيفة، أيا كانت.
إنها فترة تأزم المشهد الإعلامي الموريتاني بامتياز، وسط غموض مستقبله القريب والمتوسط.
وأطالب من هذا المنبر النقابات والروابط وجميع الجهات المعنية، بضرورة التحرك السريع لتجاوز هذا المأزق المؤثر بحق على أدائنا ومهنتنا ومصدر معاشنا الأول.
وإنه لجدير بالذكر التنبيه، إلى أن أزمة الإعلام التي يعيشها، وبشكل خاص الورقي منه، أدت إلى الكثير من غياب الوظائف والمنافع المتنوعة، سواء تعلق الأمر بالموزعين والمحررين وغيرهم.
إنها أزمة حرية وخبز ووجود دولة، وبشكل خاص، دعواها بالديمقراطية وحرية الصحافة، دون أن تصدر أي جريدة رسمية أو خاصة في عموم التراب الوطني.