لا يرضى جورج مانيه أوبونغ أوسمان ويا بغير الفوز، ففي الرياضة فاز بجائزة أفضل لاعب بأوروبا والعالم عام 1995، وفي السياسة فاز بأفضل ما يسعى له الساسة، وهو الرئاسة نهاية عام 2017. رأى جورج ويا النور بأحد الأحياء الفقيرة بالعاصمة الليبيرية مونروفيا عام 1966، وترعرع في كنف جدته، بعد انفصال والديه، ولم يكن حظه من التعليم وافرا.
بدأ جورج مساره الرياضي مبكرا، فخاض تجارب مع أندية محلية، وعمره لما يبلغ العشرين بعد، ومن ملاعب القارة السمراء انتقل ويا إلى الملاعب الأوروبية، فارتدى قميصي موناكو وباريس سان جيرمان الفرنسيين، وتشيلسي ومانشستر الإنجليزيين، وميلان الإيطالي، ليعود من جديد إلى فرنسا عبر نادي مرسيليا، ويختم مشواره الرياضي عام 2003 حيث كان يلعب لصالح نادي الجزيرة الإماراتي.
وقد كان مسار جورج الذي عرفت ليبيريا من خلاله، ولم يعرف من خلالها، مسارا حافلا بالعطاء، والنجاح والتميز، توج خلاله بأفضل لاعب بأوروبا والعالم، وقبلها فاز مع نادي موناكو بالبطولة المحلية عام 1991، ومع باريس سان جيرمان أصبح هداف النادي، حيث سجل 32 هدفا خلال 96 مباراة.
وقد حافظ ويا على التميز والصدارة في الكالشيو الإيطالي، حيث فاز مع أي سي ميلان بالبطولة مرتين عامي 1996، و1999.
يمم الليبيري جورج ويا وجهه شطر السياسة، بعد أن غادر عالم الساحرة المستديرة، فدخل التنافس الرئاسي عام 2005، وكانت البلاد قد خرجت قبل قليل من حرب أهلية، لم تضع أوزارها إلا بعد حصد أرواح ربع مليون شخص. كان الليبيريون لحظتها لا يبحثون عن ويا خارج الملاعب، وقد اعتزلها، فلا مكان له إذا بين المتنافسين على كرسي رئاسة بلد يرزح تحت وطأة تحديات وأزمات اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وأمنية عديدة، قد يحتاج فيها إلى طول النفس، وحسن الأداء، والدقة في التصويب، والتسجيل، والانتصار، لكن من سياسي قادر على مجابهة كل تلك التحديات وغيرها.
اختار الليبيريون ابنة مدينة جورج ويا، المرأة الحديدية إيلين جونسون سيرليف، التي تكبره ب 28 سنة، لإدارة شؤون البلد المثخن بالجراح، فكانت بذلك أول امرأة تنتخب بمنصب رئيس الجمهورية في القارة الإفريقية.
وقد نجحت إيلين في أن تقود البلاد إلى السلم، وإن لم تنجح في أن تخرجها من دائرة الفقر، وصعوبة الظروف، لكن الأمن يشكل أولوية للبلد الإفريقي الصغير، الذي يعيش أزيد من نصف سكانه تحت خط الفقر، إذ لا تنمية من دون استقرار، والليبيريون قد يتحملون أي شيء إلا أن تسيل أنهر دماء جديدة، بعد أن سالت على مدى نحو عقد ونصف.
لكن تجربة الرياضة أكسبت ابن مونروفيا جورج ويا أن الهدف قد لا يحقق من خلال التمريرة الأولى، وقد تنتهي المباراة دون أن يسجل، فخاض السباق الرئاسي من جديد عام 2011، لكن الليبيريين رفعوا شعار أن لا بديل عن "ماما إيلين"، فمنحوها ثقتهم للمرة الثانية، ثقة لم تقتصر على الليبيريين وحسب، فقد حصلت خريجة هارفارد بدرجة الماجستير في الإدارة العامة على جائزة نوبل للسلام في ذات العام الذي جدد فيه انتخابها رئيسة للبلاد.
ولم يأخذ فشل ويا للمرة الثانية على التوالي من عزمه، فواصل مساره السياسي، حيث عضده بدراسة علوم الإدارة بالولايات المتحدة الأمريكية، فالليبيريون أضحوا يبحثون عن خلق موارد وإدارتها، بعد ما نجحوا في تحقيق السلام.
عاد ويا إلى السياسة مجددا، وانتخب عضوا بمجلس الشيوخ عن مدينة مونروفيا، وقرر المشاركة من جديد في انتخابات 2017 الرئاسية، والتي يحظر الدستور على إيلين أن تكون من بين المشاركين فيها، وقد حرصت على أن لا تعدل الدستور لصالح بقائها، على عكس ما يفعل عادة معظم الرؤساء بالقارة.
خاض جورج حملة إقليمية ودولية قبل الحملة الانتخابية، حظي خلالها بمساندة عديد رؤساء وقادة الدول الإفريقية والأوروبية، وحينما بدأت الحملة داخليا خاضها مع 19 متنافسا، بينهم زوجته السابقة الأربعينية ماكديلا كوبير، عارضة الأزياء السابقة، التي تحولت إلى ناشطة في العمل الخيري.
تأهل ويا إلى الشوط الثاني مع القيادي بالحزب الحاكم جوزيف بواكي نائب الرئيسة منتهية الولاية، والذي طعن في النتائج، كما طعن فيها المحامي، رئيس حزب الحرية شارلز برومسكين، فعلقت المحكمة العليا المسار الانتخابي، وتأجل موعد الشوط الثاني، قبل أن تلغي الطعون، وتضرب موعدا جديدا للشوط الثاني، فتحول برومسكين من منافس، وطاعن في النتائج إلى داعم لجورج ويا.
وحين فتحت مكاتب التصويت أمام الناخبين، اختار أزيد من 60% منهم جورج ويا، ليجربوه في السياسة هذه المرة، بعد ما جربوه في الرياضة.
وينتظر أن ينصب ويا في 22 يناير 2018 رئيسا للبلاد، وليبيريا تكبلها أزمات اقتصادية واجتماعية، تتطلع للخروج منها، وهي تضع أولى لبنات التناوب السلمي على السلطة، منذ 7 عقود.