تراجيديا المشاع Tragedy of the commons مصطلح أطلقه الباحث الانكليزي غاريت هاردن سنة 1968،يلقي فيه الضوء لأول مرة علي مأساة ادارة الموارد المشتركة كالمراعي والموارد البحرية والمياه الجوفية ..الخ ،وقد بيّن في بحثه خطورة الاستغلال الغير مستدام لتلك الموارد ،حيث يلجأ المستغلون الي محاولة الاستفادة القصوى من الموارد ،مع ادراكهم بأن استغلالهم المفرط سيسبب فناء تلك الموارد ،
لكنهم مع ذلك لا يأبهون باعتبار ان الاستفادة لهم ،بينما سيتحمل كامل المجتمع اعباء تلك المشكلة، وقد جسّد ذلك في مثاله المشهور ،حيث ضرب مثالا بمرعي مفتوح ومتاح لكل المنميين حيث تسابق البعض لجلب القطعان لاستغلاله فكل واحد يريد اكبر استفادة ممكنة، وفي النهاية تدهور المرعي ولم يعد صالحا للاستغلال لكن الخسارة تحملها الجميع بعكس الاستفادة.
شكلت ورقة غاريت هاردن فرصة للتأمل، نتج عنها ظهور بحوث ودراسات عديدة، ونظم ادارة واستغلال للموارد المشاعة، كما تمخضت عنها اتفاقيات دولية، وساهمت في تطوير مفهوم التنمية المستدامة وزيادة الوعي البيئي، ولعل الاحتباس الحراري اليوم أفضل مثال يضرب لها، فكل دول العالم تعرف خطورة انبعاث ثاني اوكسيد الكربون، لكن العديد من الدول لا تحرك ساكنا باعتبار ان الضرر يقع على الجميع، بينما يحقق اقتصادها النمو.
قرية من الريف الموريتاني كمثال لنظرية غاريت هاردن
سنأخذ قرية من الريف الموريتاني يسكنها بعض صغار ملاك القطعان، ولا يتجاوز متوسط الملكية خمس وحدات ماشية مدارية UBT 5، وتملك القرية مراعي مساحتها 250 هكتارا ،تكفي عادة لستة أشهر من السنة، لكن أحد الرجالات المنحدرين من القرية وبعد ان تقاعد من ادارة مؤسسة كبري، قرر شراء ضعف قطعان القرية ،مما تسبب في تراجع فظيع للمراعي ،وهزال للحيوانات، وكثرة امراضها ،ناهيك عن انتشار الغبار وامراض الجهاز التنفسي بين الساكنة، اصابت تلك الاضرارالجميع، باستثناء المستثمر الجديد فقد نقل قطعانه بالشاحنات الي ولاية اخري ،بعد ان التهمت قطعانه مراعي القرية، بينما اضطر بقية المنمين لشراء المكملات الغذائية ،مع العلم انه لا يزور القرية الا في الخريف، وهو لا يدفع الضرائب و سيكون اول المستفيدين من برامج التدخل الحكومي في سنوات الجفاف! .
ماذا لو طبقنا المثال بشكل اشمل؟
تشير المدونة الرعوية الوطنية الي ان المراعي ملك للأمة، في حين أن مواد المدونة تتغافل عن التمييز بين المرعي والغطاء النباتي الضروري لتوازن النظام البيئي، فتعتبر ضمنا ان المراعي هي كل ما تستطيع الحيوانات التهامه وهي حق للمنمي بينما لا تضع قيودا ولا ضوابط للتسيير العقلاني والعادل فهي تغمط حق المجتمع في بيئة سليمة وصحية ومستدامة، كما تغمط حق صغار الملاك ولسان حالها يقول: المرعي مشاع ومن يملك اكثر القطعان والاقدر علي الحركية هو المستفيد بينما سيتحمل كامل المجتمع الاضرار واولها امراض الجهاز التنفسي نتيجة انتشار الغبار.
من خلال المثالين نجد ان نظرية غاريت هاردن تلخص حجم مأساة ادارة الثروة الحيوانية في بلادنا، ففي الماضي كانت الاوبئة تحد من تكاثر القطعان، اما الآن فالقطعان تتكاثر في حين تتراجع المراعي، بينما يتحمل المجتمع التبعات الكارثية، فهو اليوم يدفع ثمن تلك الاختلالات وسيدفع مستقبلا المزيد، اللهم إذا ما تمت مراجعة السياسات المتبعة.
حلول ممكنة
• وضع مخططات لإدارة المراعي مع احترام الحمولة الرعوية؛
• اعادة صياغة المدونة الرعوية بما يحقق احترام الابعاد البيئة؛
• تحديد عدد الرؤوس المسموح لها بالولوج الحر للمراعي، وبيع رخص حق الاستغلال لكبار الملاك؛
• الاستفادة من تجربة استغلال المصائد البحرية في ادارة المراعي؛
• انشاء صندوق تأمين ضد مخاطر الجفاف.
من غير المقبول والمنطقي الاستمرار في ادارة الموارد الحيوانية بهذا الشكل، فقد اصبحت عبئا على اقتصادنا الوطني، ناهيك عن اضرارها البيئية، ولم تعد حملات وبرامج التدخل تكفي لرتق الخرق فقد اتسع على الراقعين، لذلك فلا بد من استراتيجية وطنية شاملة للإدارة هذا القطاع الحيوي، والابتعاد عن الحلول المجتزأة والقصيرة النظر من قبل شراء الاعلاف والخطط الاستعجالية.