الشارع الموريتاني وعفوية البداوة المقنعة / حناني ولد حناني

من الواضح وضوح الشمس أن طابع البداوة لا زال يطغى وبشكل راسخ على تصرفات وسلوك بعض أفراد الشعب الموريتاني للأسف الشديد ومن هذه التصرفات : الحديث في الهاتف بشكل خصوص في التاكسي، الإستياك فيها، التبول في الشارع، رمي الأوساخ وإراقة الغسالة على الرصيف ... ومن الغريب أن البعض يفعل هذه التصرفات دون إدراك لمدى خطرها عليه في الحاضر والمستقبل؛ بل لا ينتبه إلى ضرورة الابتعاد عنها لكونها مشينة

 في الأعراف المدنية الحديثة؛ أو لكونها قد تحرم شرعا في بعض الأحيان لترتب الضرر عليها للآخرين و"أصل كل ما يضر المنع" كما يقول الأصوليون...
أيضا قد يجد المتتبع أو الملاحظ لتلك التصرفات المشينة أن صاحبها يعتقد  تبريرها بالضرورة أو ما شابه ذلك ... وهو لا يدري أن لاضرورة هو أحوج لها من حفظ نفسه الذي يتمثل في وجود صحته المناسبة، وكذلك حفظ أنفاس الآخرين بعدم الإضرار بهم، والأدهى أنك إذا نصحت البعض من هؤلاء بعدم التحدث بشكل خصوصي في الهاتف أثناء ركوبه التاكسي قد يجيبك قائلا: "ماعندي شي جادو" أو " يخي خايف مناش ..." وكأنه يعيش في موريتانيا في عصر: لفريك، تشفارت لخيام، أو حتى عصر اتمادي الكدحان، وأيام البداوة الجميلة في طابعها العفوي؛ الغير مناسب حاليا نظرا لتغير الظروف والأحوال وتحولنا من ذلك إلى عصر الدولة المدنية الحالية ولو كانت حلتها الجديدة غير مطرزة بالشكل المطلوب للأسف الشديد، مع تباين الألوان وجمال تجانسها ...
كذلك يرى المتابع لهذا الموضوع أن له جوانب تأثيرية على حياة المواطن الموريتاني بكل أبعادها: الحضارية، الأمنية، الاجتماعية وحتى الاقتصادية، الأمر الذي يشكل تهديدا للتنمية البشرية بشكل مباشر أو غير مباشر ...؛ فنجد ترسيخ الثقافة المدنية عن طريق التحسيس والتوجيه بكل الأساليب المتاحة حصن أمان من ذلك التهديد.
وقد يطرح البعض التساؤلات التالية على نفسه: على من يقع العبء الأكبر في تحمل مسؤولية تغيير هذه العقليات، هل النخب أم الدولة أم هما معا؟ ومتى سيستجيب الشارع الموريتاني لمنادي المدنية الذي استجابت له معظم دول العالم كل بأسلوبه الخاص وجيراننا خير دليل على ذلك؟ وماهي العوائق التي تحول دون تغيير تلك العقليات المتحجرة الناتجة عن الجهل وقلة الوعي وسوء الفهم للمدنية والتخلف؟
تلك أسئلة تمكن الإجابة عليها – في رأيي – إذا انطلقنا من مبدأ واحد وأساسي وهو أن الوعي الحضاري غاية وليس محض هدف أو مفهوم تنظيري يُطَبَّقُ أحيانا ويُهجرُ في أخرى، كما أنه سياسة ثقافية عامة تُرْسَمُ ملامحها في كل الأحايين وفق أسس ومبادئ لا غنى لها عن صرامة الحاكم من أجل تطويع المحكوم.
وانطلاقا من المبدإ المذكور يمكن التساؤل مرة أخرى وبشكل وأسلوب مغايرين : ألا يُحَرِّمُ الشرع والقانون كون شخص ما يُعَرِّضُ نفسه لأي خطر؟ أليس من ذلك الخطر الحديث عن الخصوصية في مكان عام كالتاكسي وهو يجهل جلساءه؟
ألا يُحَرِّمُ الشرع والقانون كذلك إيذاء المسلم بأي أسلوب ... أليس الاستياك في التاكسي من ذلك؟
أليس التبول في الشارع والأماكن العامة عيبا مشينا وهو من الملاعن التي ينهى عنها الشرع؟ ألا يضر بالآخرين وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث  الذي رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسندا، ورواه الإمام مالك : "لا ضرر ولا ضرار" ؟
أرجو أن يفكر أصحاب هذه العقليات في تلك التساؤلات وطرحها على أنفسهم لكي تحدث مراجعات جادة للمفاهيم والتصورات الخاطئة التي عانينا ولا زلنا نعاني منها؛ وليس الوجه الحضاري للعاصمة إلا صورة مصغرة من نتاج ذلك الواقع ...   

2. يناير 2018 - 15:21

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا