موريتانيا الآن مقسمة ثقافيا واجتماعيا إلى مجالين كبريين هما الشرق، والغرب، مع أن المنطقة الغربية أو الساحل مقسمة سياسيا بين جهتي الجنوب، والشمال (الكبله، والساحل).
فعندما تسأل أحدا عن جهة الصلاة، ويقول لك "تَلْ"، فهو من أهل الشرق، وعندما يقول لك "شرك"، فهو من أهل الساحل.
وحين يكون الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف يوم "الاسم"، فاعلم أنك في الشرق أو ظهر آدرار.
ألفاظ الشعر الحساني ذات الدلالة الجهوية تعبر عن الثنائية القائمة بين الساحل والشرق، فقد جاء في سؤال لعميم - وهو من أهل الشرق - لصديقه من أهل القبله :
"الساحل ما كنت انجيه
واندورك يا امحمد عجلان
اتعرفن كيف ال فيه
يزيان أكيف ال يشيان"
امحمد هو امحمد ولد هدار، يمثل عمق الثقافة والمجتمع في منطقة "القبلة"، ولم يعترض في رده على كلمة الساحل؛ لأنها تحيل طبعا إلى ساحل البحر، وتشمل الكبلة والساحل (الشمال والجنوب) مقابل الشرق.
وقد رسم الباحث سيد احمد ولد الأمير خارطة تبين هذا التقسيم، وقال - من باب النكتة - إن الاختلاف اللغوي في تحديد الجهات بين أهل الشرق وأهل الساحل، كان من أسباب فشل انقلاب فرسان التغيير على ولد الطايع؛ حيث أن الطيار محمد ولد سعد بوه، وهو من أهل الساحل، كان يسدي تعليماته إلى القوات البرية - الذين أغلبهم من أهل الشرق - باللغة الحسانية، فعندما يقول لهم : هنالك قوة مهاجمة تأتيكم من "تل" أي من جهة الشمال، يظنون أنه يعني الشرق وهكذا..
محاولة محسوبة على جهة الشرق، لم تنجح، لكنها حطمت كبرياء النظام؛ ومهدت لعودة الجيش إلى السلطة بشكل صريح.
7 - الجيش
إن كانت السياسة والثقافة في موريتانيا تابعتان للبوصلة، فإن للجيش من السياسة نصيب وافر. فقد تحولت السلطة إلى الشرق بعيد انقلاب 78 العسكري فترة قصيرة مع ولد ولاتي، وولد بوسيف، وولد أحمد لولي، وعادت إلى الشمال مع ولد هيدالة، وولد الطايع، وولد محمد فال، والآن مع ولد عبد العزيز.
ونجد الوزارة الأولى - مراعاة للتوازن الجهوي - تبقى للفترة طويلة من نصيب الولايات الشرقية، مع الشيخ العافية، واسغير ولد امبارك، وولد محمد لغظف، والآن مع ولد حدمين.
أما جهة "القبلة"، فرغم طموحها الكبير، فبقيت ممارستها للسلطة محدودة على المشاركة في الحكومة، عبر حقائب وزارية قصيرة الأمد، لا يجد أصحابها الوقت الكافي لبناء زعامة سياسية قوية، مشاركة بشكل فعال في تدبير شؤون البلاد.
ولاية اترارزة - رغم حجمها الكبير- ليست من الولايات الأكثر تمثيلا في المؤسسة العسكرية، أو أن تمثيلها لا يتناسب مع حجمها البشري، وذلك يقلل من حظوظها بشكل ملحوظ في الممارسة الفعلية للسلطة، لأن الجيش وهو الركيزة الأساسية للحكم، يفضل رئيسا مدنيا قادما من رحم المؤسسة العسكرية على غيره من الزعماء السياسيين الذين لم يسبق لهم أن ارتدوا البذلة العسكرية.
وجدناهم تخلصوا بسرعة من ولد الشيخ عبد الله، رغم دعمهم القوي له في البداية، وهو الرئيس المدني الوحيد - بعد ولد داداه - الذي ليست له تجربة في الجيش.
ولاية اترارزة الآن، مكتظة بالزعماء السياسيين الذين ليس لهم سند قوي في الجيش، وذلك يحد من حظوظهم في الوصول إلى السلطة، إلا إذا أفرزوا زعيما مدنيا قويا قادرا على كسب ثقة الجيش.
لديهم زعامة التكتل، وتواصل، والوئام، وإيرا، وافلام، ونداء الوطن، وسيأتي تفصيل ذلك في الخارطة السياسية الخاصة بكل من واد الناقة، وبتلميت، وكرمسين، والمذرذرة، واركيز.
يتواصل بحول الله في الأسبوع القادم مع العناوين :
8 – السكان
8 - 1 واد الناقة
1 - تاكنانت
2 - إديقب
الخارطة السياسية 2 : اترارزة
الخارطة السياسية 1 نواذيبو