اختتمت أسعار خامات الحديد سنة 2017 بتسجيل قفزات متتالية وضعتها على عتبة 75 دولارا للطن، ومن المفارقة أن هذا السعر هو خط التماس في حرب الأسعار القائمة بين الأربعة الكبار والصين منذ 2009 م. فمن جهة هو الحد الفاصل بين الحياة والموت لغالبية المناجم الصينية الصغيرة التي يعتبر إغلاقها هدف صيني رسمي، كما أنه مستوى سعري مقبول
لدى جل صناع الصلب الصينيين. ومن جهة أخرى هو أكبر بحوالي الضعف من التكاليف لدى الأربعة الكبار مما يضمن لهم أرباحا وفيرة، بالإضافة إلى أنه يقترب من الحد المساوي لتكلفة الاستخراج لجل المناجم الصينية الخارجية مما يفقدها جانباً من قدرتها التنافسية في مقابل الأربعة الكبار. فهل ستضع الحرب أوزارها خلال السنة الجارية بعد الوصول لأرضية سعرية مرضية للطرفين ؟
ومهما تكن النتيجة، فقد بدا واضحا أن الضبابية التي كانت تسيطر على أجواء السوق العالمي لخامات الحديد بدأت تختفي، ونحن نعتقد أن مسار الأسعار خلال السنة الجارية ستحدده 5 عوامل رئيسية هي حجم زيادة الإنتاج لدى الأربعة الكبار، ومدى امتثال الصين لخفض إنتاجها من الصلب، وتطبيق الصين لسياساتها البيئية، وحجم المخزون الحالي من الخامات عالية التركيز، وأخيرا العوامل غير المتوقعة:
(1) زيادة حجم إنتاج الأربعة الكبار
تشيرالتقديرات الأولية حيال السنة الجارية إلى إمكانية زيادة في الإنتاج لدى الأربعة الكبار بحوالي 70 مليون طن، مصدرها أساسا العملاق البرازيلي شركة فالي (Vale) التي تخطط لإنتاج 390 مليون طن خلال 2018 وذلك بعد دخول منجمها S11D فترة ذروة إنتاجه، حيث من المتوقع زيادة إنتاجها بحوالي 35 مليون طن. أما شركة ريو تينتو (Rio Tinto) فمن المتوقع أن تزيد طاقتها الإنتاجية بحوالي 30 مليون طن، وذلك بعد افتتاح منجمها الجديد ( Silvergrass iron ore mine)، وبخصوص شركة بي.اتش.بي (BHP Billiton Ltd.) فمن المتوقع أن تزيد حجم إنتاجها بحوالي 7 مليون طن،على أن تصل هذه الكمية إلى حوالي 20 مليون بعد نهاية مشروعها (South Flank Iron Ore project).
وحدها فورتيسك ميتال (FMG) لم تعل عن خطط توسعية لزيادة إنتاج ، كما تشير التقديرات أيضا إلى توقع حصول زيادة في حجم مبيعات الأربعة الكبار بنسب متفاوتة باستثناء فورتيسك ميتالز التي تخطط لشحنات فصلية تصل إلى 44 مليون طن لكل شحنة، و من المتوقع أن يصل حجم مبيعات الأربعة الكبار خلال النصف الأول من السنة الجارية إلى حوالي 537 مليون طن.
(2) خفض الصين لإنتاجها من الصلب
تبنت الصين سياسة تخفيض طاقتها الإنتاجية من الصلب أواخر 2015، ووضعت خطة لذلك تستهدف خفض حوالي 15% من طاقتها الإنتاجية خلال خمسة سنوات، وحتى الآن تمكنت من خفض طاقتها الإنتاجية من الصلب بحوالي 45 مليون طن خلال 2016، وحوالي 50 مليون طن خلال سنة 2017، و في حالة امتثال الصين لمواصلة هذه السياسية خلال السنة الجارية قد تضيف خفض حوالي 50 مليون طن من الصلب، وهذا يعني نقص احتياجاتها من المادة الخام بحوالي 80 مليون طن خلال السنة الجارية.
(3) تنفيذ الصين لسياساتها البيئية
تنتهج الصين منذ فترة سياسة بيئية حازمة تستهدف الصناعات الملوثة للبيئة، وخلال السنة الماضية تم إغلاق مئات المصانع الصغيرة التي تعتمد على الخردة كمادة أولية لإنتاج الصلب، وهذا ما عزز من استخدام الخردة كبديل عن خام الحديد لدى المصانع الكبيرة، كما تبنت وزارة حماية البيئة الصينية تطبيق خطة تستهدف تخفيض مؤشرات تلوث الهواء الرئيسة بنسبة 15% في 28 مدينة خلال فصل الشتاء الحالي، وذلك عن طريق غلق بعض مصانع الصلب، وتخفيض إنتاج أخرى في أقاليم خبى وشانشى وشاندونغ .
ومن المتوقع خلال السنة الجارية سحب رخص استغلال حوالي 500 منجم صغير تصل طاقتهم الإنتاجية من المادة الخام إلى حوالي 180 مليون طن، وذلك نظرا لعدم استيفائها للشروط البيئية الصارمة.
(4) حجم المخزون الصيني
تشير الإحصائيات إلى أن حجم المخزون الصيني من المادة الخام على مستوى الموانئ الصينية بلغ 147.34 مليون طن في 2 من يناير الجاري لكن إحصائيات أخرى تمت على مستوى المخازن الخمسة الرئيسية أظهرت نقص حاد في الخامات عالية التركيز حيث تشكل 16.2 % فقط من المخزون الكلي في هذه المخازن، وربما هذا أحد العوامل التي تفسر الصعود الأخير المتواصل في الأسعار رغم حجم المخزون الهائل.
(5) العوامل غير المتوقعة
التطورات غير المتوقعة مثل تأثير الأحوال الجوية على الإمدادات، أو تغير سعر صرف الدولار الأمريكي مما يزيد من حدة المضاربة على العقود الآجلة، أو أسعار فحم الكوك، أو أسعار النفط الذي تشير بعض توقعات أن تتراوح بين مستويات 54 إلى 62 دولاراً للبرميل خلال العام الجاري، وكذلك استقرار مؤشر الشحن والتجارة (BDI ) الذي يؤثر مباشرة على تكلفة النقل عبر البحار لخامات الحديد.
يبدو أن السياسات الصينية اتجاه صناعة الصلب آتت أكلها سواء في نقص الإنتاج من الصلب أو نقص الإنتاج من المادة الخام، وهذا ما يجعل وضع السوق العالمي لخامات الحديد يبدو أكثر استقرارا خلال العام الجاري رغم التوقعات التي تشير إلى زيادة في حجم الإنتاج لدى الأربعة الكبار. هذا التفاؤل حيال استقرار السوق رفع من سقف توقعات بعض المحللين للأسعار، حيث تشير جل التوقعات أن يتراوح معدل الأسعار بين 70 و85 دولارا للطن خلال الربع الأول من السنة الجارية.