خاص بوزير الداخلية ورئيس مجلس الفتوى / محمد الأمين ولد الفاضل

لست من الذين يحبون أن يتحدثوا في فضاء عام عن قضايا قد تبدو في ظاهرها وكأنها قضايا شخصية، ولذلك فلابد من القول بأن ما سأتحدث عنه هنا ليس مجرد قضايا شخصية، حتى وإن بدا في ظاهره وكأنه كذلك. إنها أمثلة وصور حية من البيروقراطية ومن سوء المعاملة التي يتعرض لها المواطن الموريتاني بشكل يومي، وفي مختلف الإدارات والهيئات والدوائر الرسمية.

إدارات ودوائر وهيئات رسمية عديدة لجأت إليها بوصفي مواطنا موريتانيا طالبا لخدمة عامة هي من أبسط حقوقي كمواطن، وكان تعامل تلك الإدارات في مجمله تعاملا سلبيا، بل ومستفزا في كثير من الأحيان، مع حالة استثناء واحدة سأتحدث عنها في الوقت المناسب لذلك إن شاء الله.

في هذا المقال سأكشف لكم عن حالتين من تعامل الإدارة السلبي مع المواطن، تتعلق الأولى منهما بوزارة الداخلية، أما الثانية فإنها تتعلق بالمجس الأعلى للفتوى والمظالم، وسأبدأ بالثانية.

عندما يعجز مجلس الفتوى عن إصدار فتوى!

في يوم 17 فبراير 2018 سيكتمل عام كامل على تقديمي لسؤالين إلى المجلس الأعلى للفتوى والمظالم كنت قد تقدمت بهما باسم حملة "معا للحد من حوادث السير"، وتم تسجيلهما تحت رقم ( 019 /2017). كان السؤال الأول يتعلق بمبلغ الدية المعتمد في بلادنا، والذي يقدر في الوقت الحالي ب 10% من سعر سيارة فاخرة. هذا السؤال تجاهله المجلس بشكل كامل، وقد يكون الأمر متفهما حتى وإن كان لا يليق بمجلس أعلى للفتوى جاء في المرسوم القاضي بإنشائه ( المرسوم رقم 134/2012  والصادر بتاريخ 24 مايو 2012) بأن من صلاحيات هذا المجلس "إصدار الفتاوى في كل القضايا المعروضة أمامه ما لم تكن منشورة أمام القضاء". قد يكون الأمر متفهما، فربما يكون السبب في تجاهل هذا السؤال هو أن المجلس لا يريد أن يحرج الدولة ومؤسسات التأمين التي كانت قد حددت مبلغا زهيدا للدية. وإذا كان يمكن تفهم تجاهل السؤال الأول، فإن الأمر الذي لا يمكن تفهمه هو تعامل المجلس مع السؤال الثاني، والذي من المؤكد بأنه لا يحرج السلطة ولا إداراتها، فهذا السؤال يتعلق بقيادة السيارة بسرعة مفرطة، فحسب الإحصائيات الرسمية فإن السرعة المفرطة تتسبب في 59% من حوادث السير التي تقع في موريتانيا، وحسب المتوسطات المأخوذة من إحصائيات رسمية، فإنه يقع في موريتانيا حادث سير كل ساعة وست دقائق، ويصاب شخص بجروح في كل ثلاث ساعات بسبب حادث سير، ويموت شخص في كل 42 ساعة بسبب حادث سير.

على الرغم من هذه الحصيلة الثقيلة التي تتكرر كل يوم، والتي تعتبر السرعة المفرطة من أهم أسبابها، فإن المجلس لم يرد حتى الآن على سؤال قيادة السيارة بسرعة مفرطة، وكنت كلما راجعته قيل لي بأن الفتوى جاهزة أو شبه جاهزة أو أنها تنتظر توقيع الرئيس أو أنها تنتظر مراجعة من مجلس الفتوى إلى آخر ذلك من الردود المعهودة. راجعت المجلس كثيرا في فترات متقاربة في بعض الأحيان، ومتباعدة في أحايين أخرى، وكنت أخرج منه دائما بموعد جديد إلى أن قررت في النهاية أن أتوقف عن هذه المراجعات التي لا طائل من ورائها، خاصة وأن الموسم الثاني لحملة "معا للحد من حوادث السير" كان قد اختتم من قبل أن نحصل على فتوى عن قيادة السيارة بسرعة مفرطة، وهي الفتوى التي كنا نفكر في توزيعها على الأئمة وخطباء الجمعة، وخاصة منهم أولئك الذين يؤمون المصلين في مساجد تقع على طرق حيوية تشهد الكثير من حوادث السير، كما هو الحال بالنسبة لمقطع (نواكشوط بوتلميت).

من قبل طرح هذا السؤال بفترة، وتحديدا في شهر نوفمبر من العام 2015 استقبلني رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم في مكتبه، وقد شرح لي حينها العوائق التي تقف في وجه المجلس فيما يتعلق بملف المظالم، وأنه يعتمد على علاقته وعلى مكانته في إعادة الحقوق إلى أصحابها، فالمجلس لا يمكن أن يلزم أي إدارة بإعادة الحقوق لأصحابها، وكان اللقاء قد جاء بمناسبة تعثر الاتفاق الذي عقده حراس ازويرات مع الموريتانية للأمن الخصوصي برعاية من رئيس مجلس الفتوى والمظالم. لقد كنت من الذين استقبلوا حراس ازويرات يوم قدومهم هنا إلى العاصمة نواكشوط، وقد عملت رفقة مجموعة من المدونين على مؤازرتهم من خلال المواكبة الإعلامية لاعتصامهم، وكذلك من خلال جمع التبرعات لمساعدتهم في نفقاتهم اليومية والتي لم تكن لهم المقدرة على تحملها. ولما طال مقامهم، ولما بدأ الإحباط يتسلل إلى البعض، وأصبح قادة الاعتصام يشعرون بقرب فشل الاعتصام حينها كان لابد من البحث عن اتفاق ما، وتم التفكير في رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، فما كان مني أنا ومدون آخر كان قد أبلى بلاء حسنا في هذا الملف إلا أن أوصلنا ممثلي الحراس إلى منزل رئيس المجلس. عرض ممثلو الحراس قضيتهم على رئيس المجلس، وبدأ رئيس المجلس في التدخل إلى أن تم التوصل إلى اتفاق مجحف بالعمال، ولكن، حتى هذا الاتفاق المجحف بالعمال فإنه لم ينفذ. بعد عام من توقيع هذا الاتفاق اتصل بي الحراس وأشعروني بذلك فكتبت من جديد عن الموضوع، ليستقبلني من بعدها رئيس المجلس في مكتبه، وليشرح لي الجهود التي قام بها والعراقيل التي واجهته في هذا الملف.

يومها خرجت من مكتب الرئيس وأنا أتفهم العراقيل والصعوبات التي يواجهها المجلس في ملف المظالم، ولكن الشيء الذي لم أتوقعه أبدا، والذي لا أستطيع أن أتفهمه أبدا، هو أن يعجز المجلس عن الرد على سؤال يتعلق بقيادة السيارة بسرعة مفرطة، ومن المعلوم بأن الإجابة على مثل هذا السؤال لا تشكل أي إحراج للسلطة ولا لشركات التأمين.

ويبقى أن أقول من قبل الانتقال إلى الفقرة الثانية بأني كنت قد خصصت رسالتي المفتوحة رقم 24 للمطالبة بتأسيس ديوان للمظالم، وذلك من قبل أن أوقف تلك الرسائل. هذه الرسالة وضعتها ذات يوم احتجاجي على لافتة ورفعتها أمام القصر الرئاسي، وكان ذلك من قبل تأسيس المجلس، ولم أكن أعتقد يومها بأن هذا الديوان الذي كنت أطالب بتأسيسه سيعجز فيما بعد عن الإجابة على سؤال عن السرعة المفرطة.

عندما تضيع الملفات في مكاتب وزارة الداخلية

في النصف الثاني من العام 2006 فتحت مركزا للتدريب والتنمية الذاتية، وأسميته مركز "الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية، وفي هذا المركز أقمنا دورات مجانية في تطوير الذات وفي التثقيف الحرفي. بعد تنظيم عدد من  الدورات، أرسلت رسائل إشعار إلى بعض الوزارات والإدارات، وطلبت من الإدارات المعنية بتلك الوزارات أن تنظم زيارات مفاجئة للمركز للإطلاع على جهوده التي يقوم بها في مجال التدريب والتنمية الذاتية، فزارنا في المركز مدير التكوين في وكالة تشغيل الشباب، ومدير الشؤون الاجتماعية بمفوضية الحماية الاجتماعية، ومديرة شؤون الأسرة بوزارة المرأة، وأشادوا جميعا بجهود المركز.

خلال تلك الفترة تقدمت بملف طلبا للترخيص للمركز، وانتهى الأمر بالملف بالضياع في مكاتب وزارة الداخلية.

في مطلع العام 2015 قررت أن أتنازل عن طلب ترخيص لمركز، واكتفيت بأن تقدمت رفقة طبيب ومحام وإطارين في إحدى الوزارات وناشطين في المجتمع المدني بطلب للترخيص لمنظمة غير حكومية أردناها أن تكون سباقة في مجال "النضال التنموي" ضد مخلفات الاسترقاق، وأن تتخصص في هذا المجال. ملف هذه الجمعية سيضيعه أحد مستشاري والي نواكشوط الغربية، وذلك بعد أن وصل إليه في إطار إجراءات الترخيص الطويلة والمعقدة.

في مطلع العام 2017 تقدمت بملف جديد للترخيص لجمعية أسميتها " جمعية خطوة للتنمية الذاتية"، وملف هذه الجمعية لم يعد ينتظر منذ أشهر إلا توقيع معالي الوزير، والملف يحمل رقم 1386 بتاريخ 22 ـ03 ـ 2017 ، فهل سيوقع الوزير على طلب الترخيص، أم أن الملف سيضيع في مكاتب وزارة الداخلية كما ضاعت من قبله ملفات أخرى؟

الشيء الذي أستطيع أن أجزم به هنا هو أن وزارة الداخلية منحت خلال هذا العقد الأخير مئات التراخيص إن لم أقل الآلاف، وكانت من بينها تراخيص منحت لأميين ولأميات لا ينتظر منهم أن يقدموا ما يفيد المجتمع في هذا المجال.

شيء آخر يمكنني أن أجزم به وهو أن الدورات المجانية التي قدمها مركز "الخطوة الأولى" غير المرخص في العامين 2006 و2007 كانت دورات مميزة في مجال تطوير الذات والتثقيف الحرفي. هذه أقولها من باب التحفيز الذاتي تطبيقا لما كنت أقوله للمستفيدين من تلك الدورات : إذا لم تجدوا من يحفزكم فحفزوا أنفسكم.

شيء أخير سأختم به، وهو أن "الخطوة الأولى" يمكن أن تتعثر لعقد من الزمن، ولكن ذلك لا يعني أبدا بأن المحاولة ستتوقف، وهو لا يعني أيضا بأن كاتب هذه السطور سيتوقف عن تقديم ما يستطيع أن يقدمه من أنشطة تطوعية، سواء كان يملك ترخيصا من وزارة الداخلية أو لا يملكه.

حفظ الله موريتانيا..

10. يناير 2018 - 14:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا