دعاة الفتنة والتخريب يحاولون استغلال حادثة التعذيب / محمد الأمين سيدي بوبكر

صراحة لم أشاهد المقطع الذي تداوله البعض وقالو أنه لشاب من شريحة الحراطين يعذبه جناة آخرون إدعوا محاولته السرقة عليهم، ولم استمع أيضا المقطع الذي نسبوه لأحد الجناة المعذبين، لكن للأسف الشديد قرأت تدوينات لصحفيين ومدونين ونشطاء ومثقفين لاترقي إلي مستوياتهم العلمية ولا إلي قاماتهم السامية ولا إلي رمزياتهم الوطنية لما تبثه تلك التدوينات من روح طائفية وفتنة وتخريب بدعاوي مختلفة من بيها محاولات التشفي 

والنكاية في الإخوة الحراطين والتلبس بمحاربة العبودية والإسترقاق وإنتهاز الفرص والإكتساب ولو علي حساب الآخر، وفي هذه السطور سأكتفي بالتعليق علي واحدة من تلك الدعاوي آنفة الذكر وهي "التلبس بمحاربة الإسترقاق والعبودية" لأن غيرها لايستحق الرد ولا التعليق،


وفي الحقيقة محاربة أو مناهضة العبودية والإسترقاق ﻋﺎﻃﻔﺔ إنسانية نبيلة ﻭﻣﺤﺘﺮمة تستحق ﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮ، بل تجب علي الجميع ﻣﺤﺎﺭبتها وﺑﻜﻞ ﺃﺷﻜﺎﻟﻬﺎ ﻭﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻬﺎ،وهي ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺟﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻹﺟﻼﻝ ﻭالتقدير وﺍﻹﻛﺒﺎﺭ، ﻟﻤﺎ ﺗﻨﻢ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﺣﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ العامة ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ويجب أن تكون مسؤولية الجميع، فالأشقاء الحراطين أو "الأرقاء السابقين" مكون أساسي من مكونات ﺍﻟﺸﻌﺐ الموريتاني ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ الصامد رغم التجهيل ﻭﺍﻹﻓﻘﺎﺭ ﻭالتهميش وﺍﻟﺤﺮﻣﺎﻥ، إلا أنهم زيادة علي ذالك يعانون من مخلفات الرق والعبودية المريرة، وغياب خطط حكومية ناجعة لإستأصال تلك المخلفات والقضاء عليها، ومن ﺣﻖ الحرﺍﻃﻴﻦ ﺍﻟﺼﺪﻉ ﺑﻤﻄﺎﻟﺒﻬﻢ ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ ﻭﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ ﻭﺗﻄﻠﻌﺎتهم ﺍﻟﺘﻲ ﻻﺿﺮﺭ ﻓﻴﻬﺎ علي الوطن ولاتأدي إلي تفكيك نسيجه الاجتماعي، كما ﻣﻦ ﺣﻘﻬﻢ ﻣﺰﺍﺣﻤﺔ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎيجود به هذ ﺍﻟﻮﻃﻦ العزيز، ﻭﻟﻜﻦ يجب عليهم أيضا توخي الحذر ﻣﻦ ﺍﻥ ﺗﺘﺤﻮل مطالبهم ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﻨﺎﺑﻞ ﻣﻮﻗﻮﺗﺔ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﺮﺑﻮﻥ ﻭﻳﺴﺘﻐﻠﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﺂﻣﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺯﻋﺰﻋﺖ أمن واسقرار هاذ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﺍﻟﻤﺨﺘﻄﻒ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ عصابات ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﺳﺪﺓ وﻫﻲ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﻈﻠﻢ والحرمان ﺍﻟﺬﻱ  يعاني ﻣﻨﻪ الحراطين وغيرهم من ﺷﺮﺍﺋﺢ ﻫﺬﺍ المجتمع المسكين، ﻭﻗﺒﻞ ﺍﻟﻐﻮﺹ ﻓﻲ الواقع المرير لسبر أﻏﻮﺍﺭه  لاضير إن ﻋﺪﻧﺎ ﺑﺎﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺭﺍﺀ قليلا مستذكرين ﺍﻟﻨﻀﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎده ﻧﺨﺐ اﻟﺤﺮﺍﻃﻴﻦ الوطنيين ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺇﻧﺘﺰﺍﻉ ﺣﻘﻮقهم وكانو ﻧﻮﺍﺓ له ﻗﺒﻞ ﺍﻥ ﺗﻌﺼﻒ بهم ﻋﺎﺗﻴﺎﺕ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻭﺗﺘﻘﺎﺫفهم ﺃﻣﻮﺍﺝ ﺍﻻﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﻣﺤﺪﺛﺔ ﺑﺪﺍخلهم ﺣﺎلة ﻣﻦ  التشرذم والأنقسام وﻋﺪﻡ ﺍﻹﺳﺘﻘﺮﺍﺭ، تمخضت عنها جماعات عنصرية تركن للولاءات الخارجية أكثر مما تهمها قضية الحراطين وتحاول بدﻋﻮﻯ محاربة الرق وﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ تأجيج نار ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ﻭﺗﻬﺪيد ﺍﻟﺴﻠﻢ الإﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭتفكيك ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ الموريتانية بمحاولاتها المقيتة الفصل بين شرائح الشعب الموريتاني التي عاشت قرونا من الزمن متمازجة كسواد العين وبياضها رغم حالات الظلم والإعتداء التي عانتها،


ولايخفي علي أحد منا كمواطنين موريتانيين ما عاناه إخوتنا من شريحة الحراطين في الماضي من مأساة الحياة وضنك العيش بسبب ظاهرة العبودية والإسترقاق، التي يشكك الكثيرون في شرعيتها في هذ البلد، وماعانوه من مخلفاتها التي لازالو يرزحون تحتها، وربما لم يعد الحراطين يباعون في أسواق النخاسة كما كانو في الماضي، لكن بالكاد يبيعو هم أنفسهم بسبب الفقر والجهل، وﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﻱ ﻣﻜﺎﺑﺮ منا ﺃﻥ ﻳﺘﺠﺎﻫﻞ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺰﺭﻱ ﻟﻸﺭﻗﺎﺀ ﺃﻭ ﺍﻷﺭﻗﺎﺀ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺮﺍﻃﻴﻦ ﺃﻭ ﺳﻤﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ، فهم في الحقيقة شريحة اجتماعية مسحقوقة يعاني ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ثلثيها من الفقر والتهميش والحرمان المتوارث، ولايسلكون طريقا للخروج من هذ النفق المظلم، ففتياتهم اللائ ﻓﻲ ﺭبيع ﺃﻋﻤﺎﺭﻫﻦ ﺗﻐﺪﻭ ﺯﻣﻴﻼهن ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﻳﺬﻫﺒﻦ ﻫﻦ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺃﺳﺮ ﻻﺗﺮحمهن ولاتحترم حتي إنسانيتهن ﻣﻘﺎﺑﻞ مبالغ ﺯﻫﻴﺪﺓ لاتسمن ولاتغني من جوع، ولاتتجاوز خمسة عشر ألف أوقية في أغلب الأحيان، وأما فتيتهم فمشردون ﻓﻲ أزقة الشوارع وعلي ﻗﺎﺭﻋﺔ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ يسألون الناس لايملكون مايسد رمقهم، ﻭفي مكاب ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ يبحثون عن المغتنيات التي رمي الآخرون، ﻭﺃﺣﺴﻨﻬﻢ حالا يعيش ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺑﺔ ينقل النفايات أو ﻳﺒﻴﻊ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ، وأما  الدراسة أو ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ فلايلقون لها بالا ولايعرفون لها طرقا،


ولايبدو للأسف الشديد أنها تلوح في الأفق القريب حلول جذرية لهذه الإشكالية، بالرغم من محاولة السلطة الموريتانية الحد من معاناة الحراطين من مخلفات العبودية والأسترقاق بأساليب مختلفة لا ترقي إلي أن تكون حلولا جذرية يمكن الاعتماد عليها لحل هذه الإشكالية، لكن لم لا تقوم الدولة الموريتانية بإصلاح التعليم وتعميمه !! والتكفل بالمصاريف الدراسية !! وجعل الدراسة إجبارية من المرحلة الابتدائية حتي اختتام المرحلة الثانوية، وبذالك سيستوي في التعليم كل المواطنين الموريتانيين قويهم وضعيفهم وغنيهم وفقيرهم وشريفهم ووضيعهم، بالإضافة إلي إنشاء دور رعاية عامة، لرعاية أطفال الشوارع وانتشالهم من الظياع والتيه وإنقاذهم من التشرد والتسرب المدرسي وحمايتهم من الاستغلال الجنسي والانحراف، ويبدو للأسف أن الواقع يقسو والدولة عاجزة ومحاولات العلاج شكلية وتجميلية أكثر منها علاجية، وبضاعة تسوق في الخارج أكثر منما تعالج مخلفات الرق والعبودية ويبدو للأسف الشديد أن نتائجها علي الأرجح ستكون عكسية، وستزيد من تفاقم الأنقسام وتكريسه، في شرائح الشعب الموريتاني التي يجمعها أكثر بكثير منما يفرقها، ولم ولن تقبل الإستغلال والتقسيم.
 

15. يناير 2018 - 8:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا