يحكي الدكتور طارق الحبيب، استشاري العلاج النفسي المتميز، كيف عالج مشكلة نفسانية كادت أن تجهز على تماسك أسرة نتيجة الخصام الدائم والخناقة المستمرة بين الزوج والزوجة، عالجها بصاندويش لا يبلغ شبراً! وانتهت المشكلة ورئب الصدع وعادت النضارة والخضرة اليانعة إلى شرايين الأسرة لتبعث فيها الحياة والأمل من جديد.
العلاج الفاسد هو القريب دايماً، والمظهر البارز لكل مشكلة هو على الراجح عوارض التقرح وليس المرض بذاته،
فالطبيب يهتم بجرثومة المرض لا بالفوائض الجلدية الناتجة عن إفراز الالتهابات.
من هنا إذاً يبدو العلاج الصحيح لمشكل يهوّل تارة ويبسّط تارات أخرى، هو مشكل التعايش في موريتانيا، الذي يكاد يكون مسيطراً على ساعة التداول التدويني في كل حين، وهو تفسير كل خطوة يقوم بها سياسي أو اجتماعي في موريتانيا، وهو أيضاً علة النقص في الشخص نفسه والقرار ذاته، إذن للأمر بُعد فلسفلي تتقد جوانح جدله في جهة النظر.
أولاً وقبل تسجيل الرأي لا يجد المرء بُداً من التأكيد على أمرين، أن الشرائح في موريتانيا ليست كما يصورها النقاش الإعلامي المتحلل، فلا لحراطين مقاطعون للبيظان ولا الزنوج يقاتلون أحد الطرفين، فالتجاور واقع والثقة قائمة بل وحتى التزاوج موجود، فلا أثَر أدنى للشحن الإثني على الواقع، والأمر الثاني هو أن الوحدة الوطنية تم إدراجها من أفراد من جميع الشرائح في بورصة التجارة والسياسة وليس من مصلحة هؤلاء تنظيف ما يعتكر لأن نظرية الدكتور عبدوتي ولد عالي عن السياسي صحيحة، فهو يقول دايماً (إن السياسي إذا رأى موقفاً إيجابياً يقول: هذا جيد ولكنه لا يكفي، لأنه إذا كان يكفي فقد انتهت مهمة هذا السياسي)!
العارض البارز في هذا "التناقش" بالألفاظ هو تهديد الوحدة الوطنية، لكن أصل الجرثومة هو سيْل الخريجين الذي يتدفق من نهر الجامعات الوطنية والدولية دون أن يجِد موطئ شُغل يملأ به وقته، والمتعلم الفارغ هو القادر على ملء الأرض حزناً، فكمّ الاحتمالات النظرية التي شُحن بها رأسه ستحوّله - إذا لم ينشغل بشيء مفيد- إلى كابوس مجتمع يفزع البريء ويخيف الآمن ويقلق الغافل!
لو أعلنت الحكومة عن تخصيص راتب وزير المالية من الصندوق الأسود كل شهر لتوظيف 15 شخصاً كلٌّ منهم براتب 20 ألفاً بالحِسبة الجديدة سيختفي التهييج الإعلامي وتتعايش المجتمعات آمنة، وسنةُ التفاوت في الفرص والتعليم والدخل والمنصب ليست سبة ولا سبباً لتعكير مزاج مجتمع يعلم الجميع أنه لا فرص لأحد إلا في بقائه فالكائن الموريتاني لا يستطيع العيش بطريقته التي يحب إلا في بُحيرته اليابسة بين أذرع الصحراء الواسعة حدّ المتاهة!
تماجَدوا خيراً، وبشِّروا ولا تنفّروا، وما كان الرفق في شيء إلا زانه!