تباينت الآراء حول مصطلح "النظام العالمي الجديد"، فهناك من يؤيد هذه التسمية مستندًا إلى انتهاء الحرب الباردة ونظامها المتعدد الأقطاب بحيث لا توجد إيديولوجية واحدة مسيطرة أو جامدة، بل توجد سيولة ومرونة ومتسع يضم انتماءات فكرية متنوعة دون جمود إيديولوجي.
وهناك من رفض مقولة النظام العالمي الجديد أوالقطبية الأحادية معللا ذلك بحالة الصراعات و الفوضى التي انتابت العالم، والتي تصبح معها مثل هذه المقولة نوعا من الخديعة والوهم،
وان نظام ما بعد الحرب الباردة لا يختلف عن سابقه من حيث آليات اتخاذ القرار.
ويوجد رأي ثالث يرى أن ما يسمى بالنظام العالمي الجديد لا يزال قيد التشكيل، وأن معالمه لم تستقر بعد بشكل نهائي ، وأن المرحلة الحالية مرحلة انتقالية قد تستغرق عدة سنوات ، ولذلك يفضل هذا الاتجاه استخدام تعبير النظام الدولي المتغير للتعبير عن هذه المرحلة ، حتى وإن تأكد أن النظام الدولي الراهن أحدث تحديات من بينها وجود مسافة لا تزال طويلة بين القطب المهيمن الذي يسعى إلى فرض إرادته وبسط نفوذه السياسي والعسكري والاقتصادي والتكنولوجي على الوحدات السياسية الأخرى .
ومع ذلك أدت التغيرات المتسارعة في بعض دول العالم الثالث من خلال التحولات الهيكلية للنظام الدولي الجديد ،وأنماط التغير في حركة العلاقات الدولية إلى نقص في قدرة الدولة على التحكم في مواطنيها إثر ضغوط من أعلى جاءت من الفاعلين فوق الأمة ، وأخرى من أسفل جاءت من فاعلين دون الوطن، وفي هذا الإطار تغير التعريف العلمى السياسي والقانوني للسيادة الوطنية من احتكار السلطة من جانب الدولة إلى مسؤولية الدولة عن حماية مواطنيها، فإن فشلت في تحقيق تلك الحماية ، أو تمنى البعض ذلك الفشل نكاية ، فتحت أطراف فوق الدولة أبوابًا أخرى لحماية مزعومة لبعض المواطنين من خلال ذريعة التدخل الإنساني .
وامتد هذا التغير إلى مفهوم الأمن القومي فلم يعد مرتبطًا فقط بالدولة ونظامها السياسي بل امتد ليشمل مفهوم الأمن الإثني والإنساني بالتعاون مع مسار جزئي يسعى لأجندات مبتورة تخدم ما دون الوطن وعندها يتم نقل الاهتمام من التركيز على «الدولة» باعتبارها فاعلاً إلى الاهتمام بمدى استجابتها للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تخدم الالتزام المطلق للسردية الأجنبية وتكريس ثقافاتها التابعة والخانعة ، وهذا يعني أَنَّ الغربَ سيبقى ضالعاً في الوقوفِ ضِدَّ أَي مشروعٍ يتعلَّقُ بالوحدة الوطنية لدول العالم الثالث التي هي بحاجةٍ اليوم إلى سياسات لمحاربة الفقر والتهميش .
ومن ثم فإنّ مستقبل الديمقراطية فيها يرتبط بإعادة صياغة النموذج الديمقراطي بما يحرره من انحيازاته المعرفية الغربية، ويجعله أكثر ارتباطاً بالسياق الحضاري المحلي ، حتى أن بعض المنظّرين والمفكرين الأفارقة اتجهوا إلى رفض نموذج «الأغلبية» الذي تفرضه الليبرالية الجديدة؛ باعتباره متعارضاً مع التقاليد الثقافية الإفريقية التي تقوم على «اتفاق الرأي»، وهنا نجد العودة إلى تقاليد اجتماعات الشجرة على المستوى القروي ، ذلك أن الصراع العنيف الذي تشهده الدول الهشّة يولّد الانقسام الاجتماعي، ويعطّل جهود التقدم ، ويقف حائلاً أمام تحقيق التنمية المستدامة، وهو الأمر الذي ينتهي إلى مسار التسلطية وانتهاك حقوق الإنسان .
ومع ذلك فإنّ المواطن في الدول النامية سوف يكون أكثر ارتباطاً بالمسار الديمقراطي إن تحقق له نمطاً معيشيّاً أفضل، وليس مجرد حرية التصويت في صناديق الاقتراع، لإنّ خبرة العقود الماضية تظهر أنّ الاتجاه الفكري الذي عوّل على مجرد إجراء الانتخابات وكفى ، كان مغرقاً في نزعته التفاؤلية ، لذلك أضحت العديد من الدول الإفريقية تقبع في المنطقة الرمادية الكائنة بين الديمقراطية والاستبداد ، غير أن من يخدمون ما دون الوطن يقترفون ما هو أشد استبدادا من الحكام ، ويرتهنون للآخر وينشرون الآراء المغشوشة بل إنهم يعتبرون فى التحليل النهائى جزء من الوطنية المضادة .