لا يتطلب السعي للانتقال المنهجي من مرحلة إلى أخرى في بناء الدول سوى: الإرادة، ووضوح الرؤية، أي: الأخذ بالأسباب الموضوعية في تنفيذ البرامج، والقدرة على المناورة في تحقيق الغايات والأهداف، والتميُز في عملية صياغة المفاهيم وبناء الأطر المرجعية، ثم ترتيب الخطوات إلى المدخل الطبيعي للإقلاع والنهوض الحضاري.
ففي 03 أغشت 2005 تحرك حينها العقيد محمد ولد عبد العزيز في خطوته الألى – والتي أجمع الطيف السياسي على مباركتها -
من أجل التغيير في موريتانيا حين كانت تغرق في لجج من الأزمات المرتبطة بأكثر المعضلات تهديدا لكيان الدولة، والمتمثلة في:
- ترهل النظام السياسي الحاكم
- هشاشة أو انعدام البنى التحتية لبناء أي اقتصاد
- غياب الخطط وضعف الإرادة في معالجة المسائل الشائكة آنذاك كالانفلات الأمني وتنامي الخلافات والصراعات الأثنية على الحدود الوطنية وفي شبه المنطقة.
- غزو الجريمة المنظمة وتوسع الحركات الإرهابية وسيطرتها على مناطق معتبرة من حدودنا.
- ضعف الأداء الدبلوماسي وعجزه في مواجهة تدويل ما يعرف وقتها بمسألة الإرث الإنساني، وتزايد نشاطات بعض الحركات الأخرى التي تحتضنها أنظمة ودول في مناطق مختلفة من العالم.
حيث كانت هذه كلها مشاغل أمنية وتهديدات جدية للسيادة لا علاج لها في ظل نظام ولد الطائع القائم يومذاك.
وفي 06 أغشت 2008 لم يكن الجنرال صاحب الحضور البارز في قلب السلطة، وذو الولاء الصادق، والإيمان الراسخ بالعقيدة الأمنية والجاهزية للدفاع عن أمن وسيادة بلده ليفوت الفرصة أو تزلَّ قدمه في اتخاذ الخطوة التصحيحية لماّ بدأ نظام ولد الشيخ عبد الله يعيد طباعة الصفحة القاتمة من نظام ولد الطائع.
وقد تمت أيضا مباركة هذه الخطوة الثانية المدعومة بقاعدة جماهيرية عريضة وأغلبية برلمانية مريحة، والتي تعززت فيما بعد بدعم المنظومة الدولية بعد إعلان نتائج حوار دكار وتنظيم الانتخابات الرئاسية 2009 حيث فاز بها - في الشوط الأول - الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي اعتمد خطابا يلامس الواقع، وبرنامجا يرتبط بهموم المواطن. فكان لسياساته ومواقفه، وحضوره على المستوى الخارجي الأثر الإيجابي والحاسم في المجالين الدبلوماسي والأمني، وعلى المستوى الداخلي فقد تغيرت ملامح الدولة وتعززت ثقة المواطن من خلال تحقيق مكاسب عملاقة وانجازات ماثلة على كل الصعد.
وفي بحر الأسبوع المنصرم شكل الرئيس محمد ولد عبد العزيز لجنة من 6 قطاعات حكومية محورية، مُثلَ كل قطاع بمسؤوله الأول أو الثاني كما في قطاع الداخلية واللامركزية، وهذه القطاعات هي: الدفاع، الاقتصاد، الطاقة، التشغيل، الإسكان، والداخلية، بالإضافة إلى مؤسسة الرئاسة ممثلة بمدير ديوان الرئيس، والحزب الأكبر تمثيلا في البرلمان ممثلا برئيسه، ورابطة العمد الموريتانيين ممثلة برئيسها، ثم النقيبة العاشرة الناشطة السياسية أخديجة بنت السقير ولد مبارك. فهل ينبئ هذ الاجراء بأن قد أزفت لحظة الخطوة الثالثة؟
وعلى الرغم من قناعتي بهذا الرجل وإيماني بمشروعه فإنني لا أملك للجواب على هذا السؤال سوى إثارة البحث في:
- مراجعة تقييمية لتجربة الرجل.
- وقراءة متأنية في المشهد الوطني.
- ثم نظرة تحليلية للوضع الإقليمي.
أولا: يتميز محمد ولد عبد العزيز بأهم مميزات رجال وقادة الدول في عصرنا الراهن وهي: القدرة على الجمع بين بساطة المواطن وجرأة القائد وطموح السلطان.
وقد يدرك المتتبع – ولو من مواقع مختلفة – لخطوات الرجل ملامح رغبته في إعادة تأسيس موريتانيا على أسس ومرتكزات أساسية جديدة تتلاءم مع طموح وحجم المشروع الذي يفكر في إنجازه، حيث يتجلى مسوغ مشروعية هذا الطموح في كونه يبحث ضمن المسافة بين الوعي التاريخي مرورا بملاءمة الواقع وصولا إلى امتلاك ناصية العلم والوعي بحاجات ووسائل التقدم والارتقاء بالدولة. يقول الأخ الرئيس محمد ولد عبد العزيز: {{ ... ولن تتحقق تلك الاستفادة الحقيقية إلا إذا امتلكنا رؤية استراتيجية طموحة توفر أسباب النهوض بجيل الحاضر وتدخر استشرافا لجيل المستقيل }} انتهى الاستشهاد من خطاب النعمة 2016.
ثانياً: لن تسعف عبقرية القارئ لصفحات المشهد الوطني في اكتشاف ملامح البديل المنتظر- سواء في الموالاة أو المعارضة – لمحمد ولد عبد العزيز، وليعذرني القادة هنا وهناك لأن هذا ليس طعنا في الرجال لكن الوصول إلى الحكم في موريتانيا ومثيلاتها من الدول حسب رأيي يتطلب فقط توفر معايير ليست حدود المأمورية فيها شرط وجوب، بل عامل ضمان الاستقرار هو الأهم، وهذا قد لا يرغب أغلبكم في مخالفته ومن هنا نبدأ البحث. هل تحقق من الوعي بالمبادئ الديمقراطية في تجربتنا ما يعول عليه في تناوب سلمي ضامن للاستقرار؟ وهل هناك مؤسسة ديمقراطية أو حتى تكتل مؤسسات ديمقراطية يمكنها تعبئة الأغلبية الضامنة لهذا الخيار دون دعم الجيش وقوى الأمن؟ وإذا كان الجواب على هذين السؤالين ب: لا، وهذا ما أتوقعه فلم يبق سوى احتمالين اثنين: أولهما الإذعان لمشيئة الضامن وهو في هذه الحالة المؤسسة العسكرية والأمنية. وثانيهما الخيار المستبعد طبعاً أي البحث عن غير الضامن، لا قدر الله.
ثالثاً: شكلت منطقة الساحل والصحراء منطقة تنافس استراتيجي بين قوى الغرب، كما ظلت منطقة محورية في العلاقات والتفاعلات بين أفريقيا الاستوائية وشمال أفريقيا، كما بين أفريقيا والمشرق العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط، في ظل غياب أي استراتيجية أمنية موحدة بين ما يعرف بدول الساحل والصحراء وذألك رغم ما شهدت وتشهده هذه المنطقة التي أصبحت ساحة صراعات وتهديدات ومصدر قلق وخوف لأهلها وللعالم من حولها. حتى بزغ نجم محمد ولد عبد العزيز الذي استوعب هذه الحقيقة في وقت مبكر حين كانت رياح الربيع العربي تعبث بأمن واستقرار شعوب المنطقة، فأعلن موقفه المشهور معتمدا في سياسته على منظورين:
- رفض التدخل الأجنبي تحت أي ظرف.
- ثم الدفاع عن السيادة الوطنية والحوزة الترابية مهما كلف الثمن.
هذه السياسة التي أفلحت في بناء علاقات دبلوماسية ناجعة، ودحرت الجماعات الإرهابية وفلول الجريمة المنظمة، وحافظت على أمن ووحدة الحوزة الترابية. كما أقنعت القوى الكبرى بل وأجبرتها على تبني الخيارات الاستراتيجية للأخ الرئيس محمد ولد عبد العزيز والاعتماد عليه – كصاحب خبرة وتجربة رائدة في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة - بوصفه شريكا وحليفا استراتيجيا للتنسيق معه وذالك ما تفرضه حاجة الأمن في المنطقة. فهل نفرط فيه نحن!؟