العدل أمر شرع وضرورة حياة / محمد الأمين سيدي بوبكر

إلي من يحبون البقاء علي الكراسي مع حتمية زوالهم إعلوا علم اليقين أنكم لن تبقوا مهما فعلتم وستزولوا كما زال من كان قبلكم ولو إستمرت لغيركم لما وصلت إليكم والعدل هو أساس الملك والدول تقوم علي الكفر ولاتقوم علي الظلم فاعدلوا في أنفسكم ولو حفاظا علي مناصبكم وكراسيكم قبل فوات الأوان

لقد أمر الله في كتابه العزيز بالعدل فقال {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} وكان  هو خلق النبي صلي الله عليه وسلم فقال "من يعدل إذا لم أعدل" 

وبالعدل قامت السماوات والأرض بل العدل هو الميزان الذي تقوم الدنيا عليه وبه جائت كل الرسالات السماوية التي كان الإسلام آخرها نزولا إلي الأرض ولم يفرق في تطبيق العدل علي المسلم وغير المسلم فالعدل هو الهدف الذي يلزم الإسلام من اعتنقه أن يطبقه علي نفسه وعلي غيره

وقد أمر الله في كتابه العزيز بالعدل ومدح أهله ونهي عن الظلم وذم أهله فيما يزيد عن ثلاث مئة وخمسين آية ولذالك كان العدل خلق المسلم الذي يجب ان ينشأ عليه ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يزعم أكثر الظلام الإنتماء له "المؤمن إن قدر عدل وأحسن وإن ظلم وقهر صبر واحتسب"

فالعدل أوجبه الله علي عباده في كل صغيرة وكبيرة فكما يجب علي المسلم أن يعدل مع الغير يجب عليه أن يعدل مع نفسه "إن لأهلك عليك حقا ولنفسك عليك حقا فآت كل ذي حق حقة" وقد جعل الله العدل بمثابة الدعامة للدولة ولاتقوم إلا عليه ولا تستقيم دونه وفي المثل "دوام الدولة عدلها" وفيه أيضا أن الدول تستقيم علي الكفر ولاتستقم علي الظلم،

ولكم أن تأخذو العبرة من الوثيقة العمرية التي أعطاها عمر لأهل إيلياء والتي جاء فيها "بسم الله الرحمن الرحين هذا ما أعطي عبد الله: عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أعطاهم: أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أن لاتسكن كنائسهم ولاتهدم ولاينقص منها ولامن خيرها ولا من صلبهم ولا من شيئ من أموالهم ولايكرهون علي دينهم ولايضار أحد منهم ولايسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود وعلي أهل إيلياء أن يعط الجزية كما يعطي أهل المدائن وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص فمن خرج منهم فإنه آمن علي نفسه وماله حتي يبلغوا مأمنهم ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما علي أهل إيلياء من الجزية ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون علي أنفسهم وعلي بيعهم وصلبهم حتي يبلغوا مأمنهم"

وكذالك أيضا رسالة علي إلي الأشتر النخعي واليه علي مصر التي جاء فيها "فاليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح فمالك هواك وشح بنفسك عما لايحل لك فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت واشعر قلبك الرحمة بالرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولاتكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق وأنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوي من رعيتك فإنك إلا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان الله حربا حتي ينزع ويتوب وليس شيئ أدعي إلي تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة علي ظلم فإن الله يسمع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضا الرعية"

فبالعدل تتآلف الشعوب وتقنع النفوس وتنقطع الأطماع وتهدأ الطباع وبه يحصل التعاون وينتشر التآخي والتضامن

24. يناير 2018 - 18:22

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا