في نقد "معارضة نواكشوط" / ​أحمدو ولد أبيه

تحتاج الساحة السياسية الآن للكثير من المراجعات المبنية على قراءات نقدية متأنية لمجمل الأحداث التي مرّ بها البلد في السنوات الأخيرة، وهي فترة اتسم الصراع السياسي فيها بحدة الخطاب وصفرية الصراع. بغض النظر عن من المنتصر؟ ومن المهزوم؟ وعن وجاهة تلك المواقف من عدمها، فإن المراجعة الأهم الآن ينبغي لها أن تبدأ بتفكيك نقدي للتشكيلات المعارضة التي تصنف نفسها حاليا على أنها هي "المعارضة الراديكالية" 

الأولى في البلد، وإن كانت تلك الراديكالية مجرد استسلامٍ طبيعيّ لتراكم كم هائل من الفشل السياسي المحروس بقدسية وهمية.
على الرغم من كل ذلك مازالت أغلب تشكيلات هذه "المعارضة  الراديكالية" مصرةً على تكرار نفس التجارب السابقة مع تغير واحد فقط يتعلق أساسا بالعنوان الجامع لها كـ"الجبهة، المنسقية، المنتدى، G8 " - وإن كان عنوانها الأخير أقرب للدقة والواقعية خاصة أن تغيره في المستقبل يحتاج فقط لـ + أو –  في حالة انضمام / انسحاب أحد المغاضبين - في انتظار "ضربة حظ" تمنحها السلطة على طبق من ذهب بأي طريقة كانت، خصوصا بعد نجاحها في إسكات أصوات شبابها المنزعج من تحويل أنشطتهم النضالية إلى عمليات تنظيف سياسي لشخصيات يحيل ذكرها مباشرة إلى الفساد الإداري والسياسي.
ولعل التركيز المبالغ فيه على العاصمة نواكشوط والتجاهل المتعمد للمناطق الداخلية من أبرز النقاط التي يمكن من خلالها التشكيك في جدية نضال هذه المعارضة واعتبار ما تقوم به من تحركات مجرد خطوات عبثية لإعادة استنساخ الأنظمة التي "تناضل" ضدها، فأغلب أحزاب المعارضة المذكورة لا يمتلك  رؤية سياسية قادرة على تشكيل قواعد شعبية صلبة لا تستند في أساسها على الانتماء القبلي أو الخطاب الجهوي، بل إنها حتّى لا تتوفر، في أقل تقدير، على خمس مقرات نشطة في عموم التراب الوطني. طبعًا، باستثناء حزب "تواصل" الإسلاميّ، الذي كان يمتلك في الوقت القريب انتشارا واسعا لم تسلم منه إلا المناطق الشمالية وخصوصا المناطق التي غالبيتها من سكان المنطقة الأصلين، إلا أن الأغلبية الساحقة من قواعد تواصل الشعبية إذا تجاوزنا العاصمة نواكشوط ليست قواعد سياسية مدنية، بل هي قواعد دعوية وقبلية لا يمكن الاعتماد عليها في أي صراع سياسي بحت بدون ضخ الأموال كما تفعل الأنظمة عادة. 
لقد تحوّل أكبر تجمع لقوى "المعارضة الراديكالية" في البلد، منذ بداية العام 2016، من استراتيجية التنسيق مع مغاضبين لا يمتلكون أي بُعد شعبي ولا تاريخ نضالي، إلى التبعية شبه المطلقة لتبني خطاب قائمٍ على "صراع شخصي" بين أحد المغاضبين والسلطة الحاكمة. جاءت خطوة التبعية تلك بعد زيارة معلنة قام بها أحد الوسطاء إلى مراكش التي عاد منها بتحديد ساحات المعركة النضالية الجديدة أو على الأصح خدمة "النضال مدفوع الثمن" لدعم الرداءة بجر الفاعلين السياسيين إلى الانخراط  في معارك شخصية تافهة لا يمكن حتى تسويقها للنقاش في مجال عام جاد، ناهيك عن الدفاع عنها ـ تلك المعارك ـ باعتبارها قضية حقيقة رصينة.
وفي تلك الحالة لم يكن مستغرباً انخراط أغلب الشخصيات والتشكيلات السياسية المكونة للتجمع المذكور في ذلك الصراع الوهمي ضمن ظرف سياسي تسيطر فيه الخطابات الدوغمائية مع غياب تام للأصوات الجادة التي يفضل أصحابها عدم الدخول في مواجهات مباشرة مع خط عام ينتشي بنجاحه في استفزاز أحزاب تائهة باتت تصدر بياناتها وتتخذ مواقفها حسب طلبه ووفق مزاجه، وهو ما سيوقعها في كارثة سياسية أخرى قادمة، شهدت الأسابيع الأولى من هذا العام مباركة الجميع لانطلاقتها، وستقضي علي أغلب تشكيلاتها نهائيا قبل الاستحقاقات القادمة.
  
     
     

24. يناير 2018 - 18:25

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا