إن البعد البنيوي للامركزية الإدارية كبديل يفرضه الواقع الحالي للمركزية الإدارية، يعتمد على عدة أسس في تحديد الاعتبارات التي يتم على أساسها انشاء تقطيع إداري جديد، ومن أهم تلك الاعتبارات :
1➖ الاعتبار السياسي :
ويقوم هذا الاعتبار في التقطيع الإداري على البعد السياسي وتأثيراتها المنبثقة من العنصرية الجهوية أو العرقية أو الطائفية أو الدينية....
وبالتالي تفاديا للخلافات التي قد يترتب عليه المس من وحدة الدولة، تقوم هذه الاخيرة بتقطيع دوائرها تأسيسا على الاعتبار السياسي كنوع من التمييز أو الاعتبار لتلك الجهات، رغم أنها قد لا تتوفر فيها بعض الاعتبارات الأخرى التي قد يراها البعض ضرورية في زيادة الدوائر الإداري .
2 ➖ الاعتبار الاقتصادي :
يفرض هذا الاعتبار نفسه إذا كانت الجهة تعيش حركة إنتاجية واستثمارية مرتبطة بالحيز الجغرافي لتلك الجهة وذلك بغض النظر عن الطبيعة الاقتصادية لتلك الحركة (زراعة، صناعة، صيد ...الخ ) ونظرا للطابع الاستقطابي لهذا النوع من الجهات، ومن أجل تهيية بنيوية شاملة لهذه الحركة الاقتصادية، يستدعي ذلك بالضرورة أن تكون هذه الجهة لها إستقلال مركزي تستطيع من خلاله أن تحافظ على حركية النشاط الاقتصادي كعنصر أساسي في استمرار الدولة ومؤسساتها بصورة عامة .
3 ➖ الاعتباري البشري (السكان )
من المعلوم أن الكثافة السكانية من أهم العوامل التي يقوم على أساسها توسيع التخطيط الإداري، وذلك اعتبارا للعامل البشري الذي هو مكمن الخدمة الإدارية ومن أجله تم خلقها، وعليه كلما زاد النمو الديموغرافي زاد الطلب على الخدمات الإدارية، مما يفرض على الدولة أن تخلق جهات جديدة تطبيقا لمبدأ تقريب الخدمة من المواطن وتسهيلا للولوج إليها، ولنا مثال في ذلك كتقسيم أنواكشوط إلى ثلاثة ولايات.
4 ➖ الاعتبار الجغرافي:
دائما ما تفرض المسافات الكبيرة بين الجهات أن تمتع بعض المدن بالاستقلال الاداري نظرا لبعدها الكبير من الجهات التي يمكن أن تضم إليها، فمثلا ليس من الإنصاف والعدل أن يسافر مواطن أكثر من 200 كلم من أجل الاستفادة من خدمة إدارية بسيطة لان في ذلك اجحاف كبير، حيث يمكن للدولة أن تقوم بتقريب خدماتها وذلك في حدود المعقول والمتاح، وكذلك التخفيف على المواطن في تكلفة الخدمة العمومية.
وبنظرة منطقية لما قام به مجلس الوزراء مؤخرا بخصوص جعل مدينة بنشاب مقاطعة بدلا من مركز إداري يتضح - إذا اعتمدنا على الاعتبارات السابقة- أن قرار التحويل قرار صائب ويتسجيب للاعتبارين الاقتصادي والجغرافي، وذلك لأن مدينة بنشاب قطب اقتصادي كبير يدر للدولة نفعا اقتصاديا لا يمكن نكرانه او التغافل عن متطلباته.
كما أن هناك عدة اعتبارات أخرى تتمثل في كون مدينة بنشاب تقع في ولاية كبيرة وشاسعة ولا توجد فيها إلا مقاطعة واحدة هي أكجوجت، كما أنه جعل المدينة مقاطعة يرفع من عدد ممثلي ولاية إينشيري في السلطة التشريعية كي يكون هناك نوع من الانصاف والعدل مقارنة بالولاية الأخرى التي يمثلها عدة نواب في البرلمان .
كما أن جعل مدينة بنشاب مقاطعة لا يعني -بالضرورة- أنه لا توجد مدن أخرى أولى من مدينة بنشاب، وتستحق هي الأخرى أن تحول إلى مقاطعات، كما أن تحويل هذه المدينة إلى مقاطعة ليس تميز عنصريا بقدر ما هو مكسب كبير لجميع الموريتانيين بصورة عامة، وللسكان المحليين لهذه المدينة بصورة .
وعند القياس بنظرة لا تحابي السياسة يتعين على جميع الموريتانيين تثمين هذا النوع من المكاسب المتجزة والمحافظة عليها، لأن قرار التحويل هذا ليس وليد الصدفة ولا هو إنجاز شخصي أو مصلحي يخدم اشخاص بذواتهم، لكنه ثمرة نضال ومطالب حال حولها وآن لها أن تكون واقعا.
وعليه فإن من يستهزؤون ويسخرون من المكاسب ذات المنافع الواضحة، فإنهم لا يرون الخير للوطن إلا في اشخاص ممن جمعتهم بهم سياسة المعارضة من أجل المعارضة، أو الموالاة من أجل المصالح، وبالتالي فإن عيونهم لا تدمع بالفرح حين يولد الوطن من جديد، لكنها تدمع بالرياء حين يكون الوطن في طريق التماثل للشفاء.