النقباء العشرة.. وخيار المرحلة / محمد الهادي ولد الزين ولد الإمام

تقف موريتانيا اليوم على عتبات مفترق طرق مرحلة حاسمة في تاريخ تجربتها الديمقراطية ذات السبعة والعشرين ربيعا.

هذه التجربة الممتدة منذ المصادقة على دستور 1991،وحتى اليوم يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: من 1991 إلى 2005 وقد انتهت بالانقلاب العسكري 3 أغشت 2005 بعد دخول البلاد في أزمات خانقة على مختلف الصعد حينها في ظل نظام 

الرئيس معاوية ولد سيد احمد ولد الطائع الذي حكم البلاد منذ 12/12/1984.

والمرحلة الثانية: من 2005 إلى 2008 والتي انتهت هي الأخرى بالانقلاب العسكري 6 أغشت 2008 بعد استفحال الأزمة السياسية والاقتصادية وانعدام الأمل في إيجاد حل أو تسوية لأغلب الملفات العالقة منذ ما قبل المرحلة الانتقالية.

ثم المرحلة الثالثة: من 2008 إلى 2018 هذه المرحلة التي شهدت تنظيم ثلاثة حوارات وطنية وتعديلين دستوريين خلال حكم الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز.

ولا شك أنه من البديهي كون الغرض من هذا السرد التاريخي ليس – طبعاً – إعادة عرض وقائع وأحداث هي في أغلبها معلومة لدى القراء والمستهلكين،بل قصد إثارة الإشكال الذي قد يدفع إليه  ‘‘التلجلج أو التباكي على الموؤودة ’’ – المسكينة ديمقراطيتنا الفتية - والبحث عن: لأي ذنب قتلت ؟!. 

ويتمثل الإشكال في كيفية التعامل مع التساؤل التالي: إذا كان التغيير في المرحلتين السالفتين يتم بالخيار غير الديمقراطي، فكيف سيكون خيار التغيير في هذه المرحلة؟.

وفعلا ليس ‘‘ بدعا ’’ بل من الواجب أن يعبر أصحاب وجهات النظر عن آرائهم واجتهاداتهم ولو اختلفت، لتقديم ما يفيد من حلول وأفكار قد تسهم في ‘‘ رعاية واحتضان هذه الديمقراطية الناشئة التي لا تزال في مرحلة التخلق،قبل الإجهاز عليها في وضح النهار’’ على مرأى ومسمع منهم وهم شهود لا يحركون ساكنا. إلا أن من أسوء ما يُقدَّم من اقتراحات وآراء في هذا المجال تلك التي تُحَيِدُ واقع أسس ومجالات التغيير التي من أهمها: الأساس الأمني والاقتصادي، والأساس التربوي والتعليمي، والأساس القانوني والأخلاقي، والأساس السياسي والفكري.

فكلنا يدرك أن التغيير في أي مجتمع لا يمكن أن يكون ديمقراطيا يراعي الحريات الخاصة والعامة وحقوق الإنسان ويأخذ بمنطق الاختلاف وشرعية الحوار والتسامح إلا في بيئة تمارس الديمقراطية الحقيقية سلوكا وعملا وتطبيقا.

ونحن كمجتمع ما زالت أسس سِلْمِيةِ التغيير فيه هشة ومهزوزة، ويعاني من معوق ضعف الوعي بمبادئ الديمقراطية، وما زال البحث فيه عن المصالح الشخصية يتم على حساب أو خارج دائرة المصالحة العامة، ومازال يَضِيعُ لديه المشترك بين ولاء العرق والقبيلة والجهة، - مع العلم ب ‘‘ إن العواطف الجياشة أو المجيشة والميول الجامحة لا تصلح كمادة للكتابة’’ أحرى أن تصلح أساسا للتغيير. وعليه فإنه {لن تسعف عبقرية القارئ لصفحات المشهد الوطني في اكتشاف ملامح البديل المنتظر- سواء في الموالاة أو المعارضة – لمحمد ولد عبد العزيز، وليعذرني القادة هنا وهناك لأن هذا ليس طعنا في الرجال لكن الوصول إلى الحكم في موريتانيا ومثيلاتها من الدول -حسب رأيي- يتطلب فقط توفر معايير ليست حدود المأمورية فيها شرط وجوب، بل عامل ضمان الاستقرار هو الأهم، وهذا قد لا يرغب أغلبكم في مخالفته - ‘‘ فأي منا يود أن يبدوا نشازا مهلهلا غير متماسك وغير مقنع ولا متزن’’-  ومن هنا نبدأ البحث}.

فإذا كان ما نرغب – فعلا – ونسعى إليه من تغيير هو: التطور عبر عملية انتقال من مرحلة ذات خصائص وصفات معينة إلى أخرى ذات خصائص وصفات مختلفة تعد أفضل وأرقى من سابقتها، فإن ذلك يتطلب حالة من التوازن والاستقرار والتعاطي المنتظم، لأسس النظام السياسي الذي هو في هذه الحالة مجموعة من الأجزاء المتفاعلة، يؤثر كل جزء في الأجزاء الأخرى، سلباً أو إيجابا، سواء كان ‘‘ ظاهرة من ظواهر القلب الأيديولوجي الشائع ’’ أو حالة من الاستسلام والجمود في انتظار رشح الإناء الفارغ!

ورغم ذالك كله يظل خيار الأمن والاستقرار الضامن الأساسي الأول في كل الحالات. أو ليست أكبر الديمقراطيات في العالم اليوم هي التي تطور استراتيجياتها وتوجه سياساتها وترصد ميزانياتها من أجل الحفاظ على هذا الخيار ولو تطلب الأمر اختلاق بؤر تأزم واقتتال لتدير عليها رحى الحروب والفتن بعيدا عن مضاربها وحدود مصالحها؟ أولم تعبر صناديق الاقتراع في أكثر من تجربة أنها ليست صمام أمن وسلامة الشعوب المطلق؟ وأنها في بعض الأحيان ليست الضامن الأول والأخير لسلاسة التناوب على السلطة؟!

وليس هذا كفراً أو تنكرا لخيارات ديمقراطية لم أرسب يوما في اختباراتها، ولا هي مغازلة محتشمة أو خجولة لعهدة ثالثة أو رابعة لن أكون المتفيئ الوحيد بنعيم رخائها ولا -لا قدر الله - المتلظي الوحيد بجحيمها، ولكنها الجرأة في البحث ضمن المقاربة الأنجع لضمان سلامة الخطوة القادمة، ودعوة صادقة للأخذ بأسباب الحيطة واليقظة، تجسيدا لخالص ‘‘الوفاء والاحترام لذوي الجلالة في الرأي’’، وتعبيرا عن مستوى من الانحياز الواجب لذلك المواطن المسكين الذي عليه أن يدرك فعلا –ومنذ الآن- أنه أمام خيارين سيؤدي به حتما الأخذ بأحدهما إلى النتيجة التالية:

الخيار الأول: خيار مواصلة السير على طريق تحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي حيث تحققت إنجازات مهمة وحصل تطورمعتبر ساهم في إحراز مكاسب ثمينة شكلت في مجملها قاعدة يعول عليها في:

1- تعزيز سلطة الدولة في مجالات: الأمن والرقابة والتنظيم وهذه مطالب لا تتعارض البتة مع خيار التناوب بل تعزز روح الديمقراطية، وعامل مساعد في   تمكين الدولة من لعب دورها في عمران البلاد وأمن العباد.

2– استمرار الحراك الديمقراطي داخل المجتمع في مجال سعيه للانتقال والتطور بدرجات متفاوتة من القوة، وبدرجات متفاوتة من المشاركة بين القوى والمؤسسات والنخب والأفراد وغيرها، في إطار من التعاطي بالرفض والقبول لظواهر ضمن الواقع العام أو لجزئيات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، في كافة جوانب الحياة، لتصل القوة الساعية من أجل التغيير في النهاية إلى أهدافها المحددة عبر أكثر الطرق أمنا وسلامة وتلك لعمري أقصر الطرق.

أما الخيار الثاني: فعندما يسيطر الفشل ويعجز مدى الرؤية عن إدراك أفق الحل وتلافي أوضاع الجماعة، تتعارض مصالحها مع استمرار التطور ويصبح البحث عن التغيير خارج أطر المنطق ومخالفا لحكمة العقل وسلامة التفكير، ويبدأ الانجراف وراء سراب واهمٍ لا يسمن ولا يغني من جوع، ويصبح ‘‘ التحفظ على الحقيقة’’ سمة الخطاب الذي يظل في هذه الحال ‘‘مجرد بهرجة لغوية ذات فرقعة موسيقية (لا تصلح للشدو ولا للطرب) ’’ ، وتضيع الأهداف في متاهات التخبط بين البحث عن مرجع أو متكأ ، تارة باستحضار مآثر ماض لم توفق اللغة  في التعبير عن صدق الثناء عليه ، وتارة بدموع ‘‘التلجلج والتباكي’’ تندب الحظ الزهيد من فرصة ضاعت بفعل خناجر غدر وتآمر المتباكين ولكن بعد فوات الأوان.

أخي  كاتب مقال { النقباء العشرة ..والمأمورية } لقد تأملت ملاحظاتكم على مقال كنت قد نشرته تحت عنوان {{ النقباء العشرة  والخطوة الثالثة}} ومن الطبيعي جدا أن نختلف في بعض الآراء والأفكار بل هذا من الظواهر المحمودة كما  من الطبيعي جدا أن نتفق في رؤى وأفكار أخرى، فبتفاعل العقول - تحفظا على مصطلح الاحتكاك- يتعزز المشترك وتخصب التجارب، ومجهودك في هذا الصدد مقدر لك ومشكور عليه .

أما في ما يتعلق بما نختلف  فيه من و لاءات سياسية ومواقف من أنظمة الحكم، فظني أنك قد جانبك التوفيق بأخذه علي . أليس من  الطبيعي جدا أن أمارس حقي في التعبير عن ولائي لنظام محمد ولد عبد العزيز وأن أدافع عنه ، وأبحث عن أسباب تعزيز أركان حكمه ، وترجيح خياراته؟!  تماما كما أن لك الحق في الدفاع عن نظام معاوية ولد سيد أحمد ولد الطائع وسيدي ولد الشيخ عبد الله و‘‘ شخوص المعارضة ورجالات الموالاة’’ فهذا حقك وهم لاشك يقدرونه لك ويشكرونك عليه،  فمارسه كما شئت.

29. يناير 2018 - 17:29

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا