من أمثالنا الشعبية"نصف عقلك عند أخيك""سول أمجرب لا تسول طبيب"، وفي السياسة فإن تجارب الآخرين تعتبر مواطن اعتبار ومعالم استبصار للبناء المدني والإصلاح السياسي وخاصة في المجتمعات التي لا تمتلك مثلات في السياسة ولا نماذج في الحكم تصلح للاهتداء والاتساء والاقتداء ؟
في القرن الماضي خاض الطبيب الألماني(كوخ) صراعا امتد سنوات طويلة ليجعل جامعة برلين تقبل بوجود ميكروب السل .
ولم يتعلم الهولنديون تقدير فظاعة الأضرار التي تحدثها الكائنات الصغيرة الضارة إلا بعد أن حلت بهم كارثة وطنية، عندما أتلف نوع من عثث الغابات جهازهم الدفاعي المنيع في الأراضي التي استصلحوها من البحر .
وفي القرن الماضي وفي آخر أيام الحرب الأمريكية الفيتنامية تقرر إجراء مفاوضاه بين الطرفين في باريس فأجرت أمريكا فندقا راقيا في باريس للوفد الفيتنامي لكن الوفد الفيتنامي رفض النزول في الفندق وقرر النزول في شقة طالب فيتنامي في ضاحية من ضواحي باريس باعتبار أن المفاوض الخصم لا يمكن أن يتمتع بخدمات الخصم وهو يفاوضه، عكس حال المعارضة المحاورة عندنا. أو الباحثة على الأصح عن الحظوة والحظرة)؟.
الأكيد في الواقع والسياسة أن لجنة تفعيل الحزب التي كلفت من قبل الرئيس لتفعيل الحزب لانجاز المأمورية الثالثة، ضمت شخصيات نوعية ووازنة في الحياة السياسية العسكرية القبلية، وهي شخصيات ذات كفاءة عالية بمقاييس واعتبارات النظام العسكري القبلي ومتطلبات وشروط ولوازم الجمهورية الثالثة المنشودة، وإن كانت الوصفات والدواء المهيأ والمعد يعاني من انتهاء الصلاحية وفساد التركيب والتاريخ، وغياب وعي المريض بحالة المرض وحاجته للدواء ؟!
سادتي أعضاء اللجنة لا شك أن جهاز المراقبة في حياتنا السياسية عندنا-أعنى في بنيتنا السياسية والثقافية والذهنيىة الخالية- مصاب في هذا المجال بقص شديد في المنعة والقوة والقابلية، وهو نقص تتقاسمه كل القوى السياسية في البلد، لأننا في مرحلة من مراحل الانعطاف في تطورنا الحضاري والنفسي، وبالتالي فإن تفكيرنا في هذا المنعطف يميل آفة إلى إصدار أحكام كمية غير متاح لها العلاج ولا هي مشخصة التشخيص العلمي، فهو في الأساس تفكير يعيبه خطأ في المقاييس: فنحن على الدوام نميل إلى المبالغة في تقدير نتائج(الأسباب الكبرى) وإلى الانتقاص من نتائج(الأسباب الصغرى)، بل وإهمالها، وهذا يعتبر من أبرز أعراض المرض وموانع علاجه .
ولا شك كذلك أن عمل كل لجان أنظمة الاستبداد والعسكر والقبيلة حين يصبح مموها وصامتا، وغامضا وفاقدا لمعايير الوطنية والاستجابة لاحتياجات كل المواطنين، حينئذ تكون نتائجه أخطر وأكبر لأنه يكون قد طغى على يقظة الضحايا وأجهزة دفاعاتهم وعلى حين غرة.
والنسيج السياسي والاجتماعي هما الأشد عرضة لنتائج ذلك العمل الأناني المشتمل على قدر كبير من الطمع والهلع المدمر لجسم النسيج المجتمعي، تماما كجسد الطفل الذي يعتبر أشد عرضة للتأثر بالمكروبات، لأنه لم يكسب بعد المناعة الضرورية الأزمة لمواجهة المخاطر والتحديات .
لا شك أنه في عالم الطب، ترتبط تلك الحالة بمقياسين هامين، فعلى المعالج أن يأخذهما بعين الاعتبار: التشخيص والعلاج، واكتشاف المرض وطريقة مداواته، وإقناع المريض بضرورة العلاج .
ونفس الشيء يلزم في علاج كل أمراض المجتمع، وأنظمة السياسة ومؤسسات الدولة والمجتمع فيجب معرفة الداء الحقيقي أولا، ثم تحديد علاجه تحديدا دقيقا ومناسبا وامتلاك الوصفات العلاجية والقدرة على إقناع المريض بتناولها .
وفي هذه الحالة فإن الداء الأخطر والخطير جدا هو ذلك العمل الممارس سرا وجهرا من أجهزة الفساد والاستبداد في نظام الحكم العسكري القبلي على تفكيك وتخريب أجهزة مؤسسات المجتمع المدني الحديثة الأحزاب والهيئات المدنية وبعد ما تم تدمير تلك التقليدية(القبيلة).
والعمل الأسوأ في هذا المجال والذي قامت به أجهزة الاستبداد هو قضم جهاز الدولة ومؤسساتها بصمت وغموض، وإسقاطها أشلاء ودون أن تسمع آذاننا شيئا مما يجري، ولا أن ترى أعييننا شيئا من هذا العمل، الذي يعمل على تآكل جسد المجتمع، وتدمر نوابضه، وروافعه وحتى حصونه لتختفي مفاصله في دهاليز الاستبداد والفساد الشامل الذي لا يبقي ولا يذر لتعبيد الطريق لحكم الفرد وسيطرة أجهزة القهر والإقصاء والتهميش الجمهورية الثالثة الموعودة.
والمعروف في هذا المجال أن المخرب الفاعل الحاد هو ذاك الذي يعمل من خلال علاقاته مع فئات أخرى من صنفه، وبوعي لأهداف عمله وخبث في تصرفاته: فهو يعرف أنه يقوم بتدمير المجتمع، والدولة، والنظام بسم الأمن والإصلاح وبروكندا التحديث والبناء.
والمواطن العادي لا يحتاج البتة للبحث عنه بواسطة مجسم، بل يكفيه أن يفتح نافذته، أو بصيرته، ليدرك حقيقته وممارسته ماهية عمله .
والفاعل المخرب الثاني والذي لا يقل خطورة هو ذلك المغفل الخامل الساذج والمستهدف دائما والأداة للتنفيذ والذي يبدو طيبا ومتسامحا، والذي يجد نفسه منقادا دائما وأبدا في عمل وحركة لا يستطيع السير فيها، يزرع فيها الخلل بخموله، ويعيق فيها منهاج النشاط العام بأدائه، - أعضاء غرفة البرلمان عمدنا مثلا- فهذا النوع من الناس يكون مضرا وبأخطر طريقة، أي عندما يضيف في عمله وتحركه إلى خموله شيئا من الخيانة والتملق ألا أخلاقي، من ما قد يؤدي إلى النتيجة ذاتها، التي يصل إليها الصنف الأول الحاد في تأثيره، أي تدمير مؤسسات الدولة وأنظمة السياسة، وتفتيت المجتمع، ورغم أنهما لا يملكان الهدف ذاته بشكل واع، والوسائل والأدوات بفاعليتها .
والظاهر المشاهد لمفهوم وثمرات الإصلاح الإداري في ظل أنظمة الفساد والاستبداد أنك تجد المواطن في كل وقت وحين أمام نافذة إحدى الإدارات، وهو يواجه العسف والازدراء والابتزاز الذي يصيبه من قبل الموظف القابع أمامه.
وفي الحقيقة وعمليا، وفي سيرورة التفكير التي تحصل في داخله، لا يجد نفسه أمام شخص(عامل أم موظف)، بل أمام نظام، أمام دولة .
فتصبح كل ردات فعله الدفينة، وكل الكلمات التي يمسكها على شفتيه- وهو يزدرد ريقه- موجهة ضد النظام وضد الدولة .
فهل تعي تلك الجان السياسية وحتى الاجتماعية أنه لا بد للعلاج السياسي والاجتماعي من أن يكونا شاملان، لأن علية أن يجابه فعلا مرضا شاملا، أي أو ضاعا تؤدي فيها أسباب مرضية مختلفة إلى النتائج ذاتها .
فالمعالج مطالبا عندئذ بأن يتبنى اتجاه الأخطار التي تهدد المجتمع موقفا عمليا يحكم على الأسباب من خلال نتائجها، وعلى الشجرة من خلال ثمارها .
وعلى كل حال ومهما تكن الاعتبارات البشرية التي يجب أن يعتد بها، تبقى هناك ضرورة ملحة هي أنه: يجب التخلص من المرض، وخاصة في بلد ناشئ لا يملك المدخرات الحيوية التي يمكن أن تحميه آليا من محاولات التفتيت.
ومن المؤكد هنا أن كل مخالفة إدارية لا تلقى عقوبة ما دية واستنكارا معنويا رسميا، ستصبح جرحا نازفا متقيحا، ينزف ضياعا وخرابا في جسم الأمة .
وهنا لا بد أن يوضع الموظف أو العامل الذي يقصر في أداء واجبه وجها لوجه أمام خطئه ونتائج خطئه، وذلك أمام الجمهور.
فهل تعي تلك اللجنة ذلك وعل تمتلك القدرة والحيوية والفاعلية لمواجهته ومحاربة تبعاته ذاك ما ستكشف عنه نتائج عملها في الأيام القليلة القادمة، وفي أمثالنا الشعبية قول الأستاذة الحكيمة "تيب أم النعيلات"أل أخلك فرظ أعلين نعكبوه"؟!.