الرئاسيات ومخاض الارهاصات / محمد غلام الحاج الشيخ

تبدو الساحة الوطنية في بلادنا هذه الأيام كما لو كانت مشلولة، والطبقة السياسية فيها مشدوهة تنتظر من يفعل بها بدل أن تقود هي الفعل السياسي، وترمي في بركة العمل العام المتجمد ما يحركها، فبالرغم من أننا نوشك على دخول سنة الانتخابات الرئاسية الأهم في تاريخ البلاد، فإن الأطراف المختلفة ما تزال تتهيب الدخول إلى الفعل الميداني الحقيقي، وهو وضع الحصان مكانه دون تردد، لافرق في ذلك بين الأغلبية والمعارضة، 

فمن العجب العجاب أن تتكلس الموالاة وتبدو دون حراك ولا تنافس بين أطرها وقادتها لخلافة من أعطته عقدا من الطاعة وحرية التصرف إلى أن أضحى مغادرا بقوة الدستور، وكأن القوم جمع من زُهّاد التصوف، لا أرب لهم في المناصب أو أنهم سَلبوا أنفسهم روح المبادرة، وأسلموا أزمتهم للغير كي يفكر نيابة عنهم! في الوقت الذي كان عليهم أن يكونوا الآن في صراع إرادات حقيقي لا على التقرب من المغادر والارتماء في خططه التوريثية، بل كي يقدموا للبلد واحدا من أنظف الأطر وأحسن الخيارات يكون مقنعا للجميع.. نظيف الكف والعرض، واسع الخبرة مؤمنا بالتعايش مع المخالفين.
وعلى الضفة الأخرى تقف المعارضة قريبا من أختها الأغلبية، فهي وإن أبدت اهتماما مبكرا بموضوع الانتخابات الرئاسية، إلا أنها لم تقدم مشروعا عمليا ولم تطرح ميثاقا جامعا، كما أنها لم ترم في الساحة بخيارات منافسة تقنع الرأي العام وتشد الانتباه، وتفرض على من في السلطة وضع خياره على الطاولة. ولكي لا نظل في دائرة العجز هذه والتكلس فإن علينا أن نطلق حراكا وطنيا فاعلا نحو رئاسيات 2019 يبدأ بميثاق غليظ، يُجمع عليه أهل الشأن وتدعى له كل الأطراف.
وكمشاركة مني شخصيا في ذلك الحراك فإنني أضع بين يدي المهتمين هذه الإثارة التي تبدأ بأهم نقاط الميثاق الوطني، وأهم مميزات المرشح المنشود:
1 الاتفاق على رؤية للدولة الخادمة للمجتمع بكل فئاته وتنوعه من غير إقصاء ولا تحيز 2 ترسيخ المكتسبات في مجال الحريات العامة الإعلامية والسياسية والمدنية وإزالة مايعيق لحاقها بالعالم المتطور 3 وضع خطط اقتصادية رشيقة تتكيف مع واقع البلد وإمكانياته تطفئ (الحرائق) المستعجلة وخصوصا اعتماد التمييز الإيجابي لضحايا مخلفات الرق والغبن، والنهوض بساكنة الريف المهمشين، والتحسين من واقعهم المعيشي المزري، ودعم التنمية الزراعية والحيوانية في النجوع والأرياف، من خلال رسم خطط للتعليم والصحة، والشروع في تنفيذها بكل مضاء وجدية.. 4 وضع خطة للإصلاح الإداري والمالي تحارب الفساد وتقطع دابر المفسدين وتعالج شلل الإدارة وزبونية المسؤولين، بكل شفافية وعلنية. 5 وضع خطة طوارئ ناجعة لغربلة (الموجود)من القضاء لتفعيله واستقلاله كضمانة لأي تحرك جاد نحو العدل وضمان حقوق ساكنة هذا المنكب 6 إنشاء رؤية وطنية للثروات بكل أنواعها حصرا واستغلالا وتعويلا على الأجيال القادمة 7الاتفاق على الآليات الكفيلة بديمومة انتخابات نزيهة وشفافة تخلو أجواؤها من كل الضغوط مبعدة سلطان الإدارة والمال والترغيب والترهيب واضعة كل الضمانات لخيار المواطن الحر الذي لن يعاقب عليه.
أما سمات الرئيس المقبل والذي لا شك في أن الساحة عكس مايروج سدنة الدعاية تمور بمن هم أهل لذلك المنصب وتلك المسؤولية فمن أهمها: أن تكون الرؤية التي تحكمنا في المرحلة المقبلة هي مصلحة الدولة وقيم الجمهورية أكثر من السعي لأية حسابات أخرى، لا بد من العمل بصيغة جماعية على بناء صحي لدولة العدل والحرية والمساواة التي يصلح هيكلها، وتنتصب مؤسساتها، شامخة كي تكون مؤهلة للبرامج الخاصة وفلسفات الأحزاب.
إذا انطلقنا من تلك الروح المتجردة من مصلحة الفرد أو الحزب أو الجهة المعلية لقيمة التوافق وبناء المشترك من الأمور التي لا خلاف عليها، فإننا حتما سوف نصل إلى المبتغى.
من أهم السمات اللازم توفرها في المرشح الجديد الأهلية الذهنية والمعرفية والنفسية، ومستوى التجارب المؤهلة لإدارة موقع بتلك الدرجة من الحساسية والتأثير في حياة الناس 1أن يكون مؤمنا بالحرية في قناعاته وممارساته وعلاقاته بالآخر وذلك بأن تكون له القدرة على إدارة مجتمع مختلف بقانون جامع، لا يمارس فيه الرئيس الوصاية على المواطنين، بل يدير أمرهم بدستور أقروه وقانون سنه ممثلوهم وفرص متكافئة يضمنها هو حسب اليمين 2 أن تكون له خبرة في تدبير الشأن العام إداريا وماليا مستوعبا لخفايا الدولة، وتعقيدات المجتمع ومطالب الشركاء في الداخل والخارج، وله قدرة على تدبير تلك الملفات بأحسن أسلوب وأقوم طريق. 3 أن يكون من بواعثه الأساسية المصلحة العامة وأن يكون المجد الشخصي عنده مرتبطا بها، وأن لا يركن لاستغلال الموقع لأمور شخصية أو زبونية 4 وحتى يكتب له النجاح فإن من المهم أن يكون ضليعا في ثقافة المجتمع الذي يحكم غير مصاب بعقد من خصوصياته الإسلامية وتنوعه الفئوي والطبقي، ملما بمميزاته الثقافية والأدبية مستوعبا لأبعاده النفسية والاجتماعية. 5 أن يعلن برنامجا لخمس سنين بحكومة وحدة وطنية لا تستبعد أيا من الأحزاب الممثلة في البرلمان، وذلك قصد الدفع بعموم القوة الوطنية نحو الإنتاج وخلق أرضية لنجاح أكبر لفترته، يشترك الجميع في الإنجاز المؤسس لمستقبل باهر بإذن الله.
إذا توفرت كل تلك الشروط والخصال فلا يهمني من يكون صاحبها أكان من المعارضة في أصله أم من الأغلبية في فصله، بل المهم أن يحوز تلك الصفات وأن يعض على تلك المطالب الملحة بالنواجذ، بغية الرفع من شأن شعب يستحقها قد ضاعت منه السنوات متخلفا خلف ركب الأمم المغذة نحو التقدم والرقي والنماء.
هذه أفكار لعلها تكون رافعا لحراك يستغل الوقت الضئيل المتبقي، ويدفع بمن يصلح للواجهة في ذلك السياق، فإن نجاح المشروع مرتبط بدفع أهل الوعي به واستغلالهم الجيد لأطرهم السياسة والاجتماعية مع خلق رأي عام يشد الانتباه إلى أمل لا يخفى أن البلد في أمس الحاجة اليه.

5. فبراير 2018 - 1:25

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا