حضرت مساء أمس 05/02/2018 محاضرة للدكتور محمد ولد مولود رئيس حزب تحاد قوى التقدم نظمها منتدى الأواصر و كانت تدور حول المشاكل السياسية والمجتمعية في موريتانيا اليوم بما فيها مشكلة إدماج شريحة الحراطين، وهي محاضرة دعاني لحضورها صديق طفولتي عبيد ولد إميجن.
كان وقتها يعصر يجنح للظلام بعد عصرهم له من عصر شتوي ضيق ،فأرادت الطبيعة بذلك تذكيرنا وتذكيرهم بتلازم الليل والنهار وأيضا تلازم السواد والبياض،
وهي أمور جبرية لا دخل لإرادة الإنسان في تدبيرها.
كنت متدخلا هامشيا فلا أنا من المحاضرين ولا المعقبين وكان نصيبي من الوقت المحدد لا يتجاوز دقيقتان، وعليه قررت أن أحدث مفاجأة لعل التأمل فيها يشغل عني شرطة تنظيم الكلام، لذلك قلت: ( أما تلاحظون أن المشهد يتكرر كل مرة دون أن نضع تصورا للمشكلة حتى صار نقاشكم نقاش صم ، أقول لكم هذا بعد أن سمعت من تدخلوا الآن من البيضان حملوا الدولة مسؤولية تهميش الحراطين في حين حمل متحدثو الحراطين في هذه التظاهر شريحة البيضان المسؤولية واعتبروا الدولة الموريتانية مختطفة لأنها لا تحكم بقوانين إنما يحكمها هوى بعض الناس،وبذلك توصلوا إلى كون تعطيل سلطة القانون يعني تفعيل سلطة العائلة أي القبيلة ، واستنتج الحراطين من ذلك أن البيضان عينوا الطبقة المهيمنة في الدولة وأن رئيسهم ومرؤوسهم وغنيهم وفقيرهم جيعهم شركاء في الذنب ) فهل هذا صحيح ؟
لا لا هذا تصور خاطئ من وجهة نظري لأن الطبقة الحاكمة للدولة حتى ولوا انتمى معظمها لشريحة معينة فإن تلك الشريحة لم تنتخبها ولم تساعدها في الوصول إلى السلطة ، وتلك الشريحة متضرر ما دام الظلم وانعدام القانون يطال البيضان والحراطين معا،وهي إنما تستفيد مثل الحراطين من ثمرة العدالة والنضال المشروع، ولذلك نشاهد نضال الحراطين مكن من تحصيل بعض المصالح للفقراء مثل ضمانات في الحريات العامة وبرنامج أمل الغذائي الذي استفاد منه جميع الفقراء دون تمييز.
لكن أين المعارضة التي لا تقبل التوحد في حزب واحد لأن كل طرف منها يتحين فرصة سقوط النظام ليكون عميلا للحاكم الجديد، وهو حاكم لن يختلف عن سلفه في المنهج وإنما يغير الوجوه لأنه يسعى إلى مزيد من استعباد هذا الشعب وبالتالي تهميشا مضاعفا للحراطين.
فكرتي هذه لم تكن مثيرة لاهتمام الحاضرين بل أرادوا تجاهلها لأن فيها نقد للمعارضة لذلك طلبوا مني التوقف بحجة انتهاء فترتي القانونية فشفعت لي صداقتي بصديق طفولتي عبيد فأذنوا بقليل من الكلام ، لكني فشعرت بعدم الحرية فجنحت نفسي ذات المنشأ البدوي إلى الكزرة حيث ارتفع صوتي وأسرعت في كلامي رغم تناولي لموضوع أراه مهما ن والمهم أنه أثار كل اهتمام المحاضر ولد مولود وعبيد بخلاف أغلب الحاضرين . وكان ولد مولود قد تحدث فيما تحدث عنه عن تأثير المخدرات على المجتمع.
فقلت لهم إن قضية الأعراق والألوان تخضع لنظام لا يد للإنسان فيه ما دام الله لم يستشر أي بشر حول اختيار أبويه أو إخوته أو لون بشرته أو لغته أو مجتمعه أودولته وإنما صوره واختار له أهله وأجبرهم على تولي تربيته في حين قدر تعالى أنه لا بد للعائلة من مجتمع يكون لها مهدا هي الأخرى وإلا انتهى وجودها نهائيا.
ذلك العامل فرض تربية الناشئة تربية سليمة كي ترد الجميل للعائلة وبعدها للمجتمع من خلال حقوق الرحم والجار وعيادة المريض والواجب اتجاه كل المسلمين، ومن دون تبادل الأدوار هذا لا بقاء لحياة الإنسان، لأنه في الاتجاه المعاكس إذا تخلف الفرد عن تكوين نفسه بشكل يجعله غير جاهز للقيام بتلك الواجبات فإن ذلك الفرد سوف يسقط وتسقط العائلة ويسقط المجتمع .
ومن الأسباب المؤدية لسقوط الفرد واستعباده الجهل وتناول المخدرات لأن تناول المخدرات ترتبط به دورة الجريمة .
وسيتضح ذلك حين نلاحظ أن البشر أصله حيوان لكنه حيوان مكرم ، وكل حيوان خلق من ذكر وأنثى ووضع في كل منهما رغبة لشريكه حتى يضمن استمرار بقاء على الأرض عبر التكاثر، ولهذا تقوم ذكور الحيوانات وإناثها بلفت انتباه الشريك بطرق شتى وهو أسلوب نشاهده في البشر أيضا.
ففي البشر يقوم الرجال بلفت انتباه النساء حتى ولو تطلب الأمر شرب الخمر واستعمال المخدرات وعندما تتحكم المخدرات والخمور في متعاطيها تحكم ألسيطرة عليه من داخل أعصابه كما يقع للعبد حين يقع في شرك تجار النخاسة.وإن كان أسر العبد يكون بالسيطرة على عضلاته من الخارج.
وعندما يتحول الشخص مدمنا فإن ذلك يعني أنه يدور في حلقة مفرغة ، تلك الحلقة تجعله حين وقوعه تحت تثيرها هائجا جاهزا للقتل والاغتصاب .وحين يفيق يغرق في تدبير وسيلة للحصول عليها والحصول على ما يلازمها من نساء ونفقات ما قد يدفع ببعض أبناء الأغنياء إلى السرقة من المال العام أو من غيره من أموال الخوص أي أن السرقة لا تحدث حاليا بسبب الجوع في أغلب صورها.
وعندما يجد المدمن الغلاف المادي ويركب سيارته تكون الفتيات قد تجهزن على حافة الشارع للفت انتباه الذكور أيضا فيركب بعضهن في السيارات المتجهة إلى وجهة مجهولة ما يؤدي إلى مشكلة أخرى وهي ظهور ابن زنا قد يرمى به في القمامة فيتربى هامشيا معرضا للانحراف، وإذا لم يرم على ذلك النحو فلم يقابله المجتمع بالترحيب.
وإذا تزوج المنحرف الذي تسبب في ويلات ذلك الرضيع قبل أن يثوب إلى رشده ويتوب توبة صادقة فربما تزوج زانية تأتيه بأبناء فيهم من ينسب إليه حكميا لكنه من حيث السلالة يكون من خدن لها قرر التضحية بذريته وإعطائها للآخر مصداقا لقوله تعالى : والزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة.
هذه الدوامة من المشاكل تروج لها المسلسلات المد بلجة التي تبثها قنوات مملوكة لفئات لا تريد البقاء لغيرها ولذلك تعتبر نظام الأسرة لديها مقدسا ومحميا ونظام الأسرة في بقية شعوب الأرض يشكل خطرا عليها ، فهي ترى الشعوب الأخرى حتى ولو كانت غربية دونها منزلة لذا تعاملها كحيوان ، فمن صلح منهم تستغله في نظام هيمنتها ومن فسد منهم يحرق على محرقة الحياة الهامشية .
وهنا سيظهر لكم من خلال مراجعتكم لذاكرتكم التلفزيونية في تلك المسلسلات أن النسب فيه : نسب سلالي وحكمي ، ونسب حكمي غير سلالي ، ونسب سلالي غير حكمي... وهذا الفرق و الاختلاط في الأعراق جعل النسب لا ينبغي اعتباره معيارا لرفع مستوى الشخص اجتماعيا خاصة وأن التاريخ شاهد على وجود ملوك هزموا في معارك فبيعت ذريتهم في أسواق النخاسة.
ومن هذه الاستنتاجات دعوت من حضروا تلك التظاهرة للتفكير من أجل تحديد الدور الذي يمكن للمثقفين والسياسيين الاضطلاع به بعيدا عن التصنيف لشريحة معينة والاتهام غير المبررة بالعنصرية الذي أثبتت التجربة أنه يزيد الكراهية ويعيق الاندماج بين مكونات المجتمع.
وبينت خلال مداخلتي أن القبيلة سيبقى حضورها وتأثيرها ما دام نظام الزواج موجودا حيث تتشابك العلاقات بسببها بشكل عمودي وأفقي في تكتل يحمي الفرد في مراحل تطوره الأولى ، وأن الحراطين صارت فيهم قبائل على ذلك الشكل، وعليه لا تشكل القبيلة خطرا على الدولة ما لم يستخدم تضامنها لتجاوز المعايير العامة والمجردة التي تنظم توزيع حقوق الناس في الدولة، وإذا استخدمت ذلك الاستخدام تتحول عصابة للنهب والتمييز ضد الآخر في إطارا عنصريا.
وكلامي هذا لم يعجب أغلب الحاضرين واعتبروني غردت خارج السرب وتركت الموضوع، وأرجو منكم الحكم بيني وبينهم.
قال الله تعالى : قل رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون