التسريب المهني وحديث الوزير الأول عن الصالونات أي علاقة! / محمد سيد أحمد

تلزم النظم والقوانين والأعراف كل موظف أو عامل عمومي أو خصوصي - يعمل في إطار منظم أو وفق عقد واتفاق محدد – باحترام "السر" المهني وعدم إفشاء المداولات والمعلومات والوثائق التي يطلع عليها بحكم وظيفته أو موقعه، ويعتبر مسؤولا جنائيا وأخلاقيا في حالة الإدانة بتهمة خيانة الأمانة "التسريب المهني"؛  إلا أن الحالة الموريتانية بحسب ما يرى مراقبون أنها تمثل حالة نشاز حيث تسجل عدة حالات يتم فيها فصل أو معاقبة موظف

 أو عامل بأحد الإدارات العمومية أو الخصوصية بتهمة إفشاء السر أو تسريب معلومات لجهات منافسة.

يعتبر التسريب المهني من أخطر الظواهر والتهديدات التي يمكن أن تواجهها المؤسسات والإدارات والوزارات والقطاعات العمومية والخصوصية، وحتى الإطارات السياسية والمشاريع الاستثمارية، حيث أنه عن طريق التسريب المهني يمكن قتل وتعطيل كل الخطط والاستراتيجيات والبرامج التي تعب وضحى من أجلها مجموعة من الناس أو وزارة ما أو حزب ما ....إلخ

كما يعدُ التسريب المهني خطر داخلي محدق وسرطان يجب استئصاله فور تشخيصه وتحديد موقعه، فالتسريب المهني كان وراء سقوط دول وحكومات وأحزاب ومؤسسات كثيرة حول العالم، ذلك لما يشكله من خطورة.

لا يمكن أن تنجح السياسات والبرامج والاستراتيجيات في ظل وجود تسريب مهني، ذلك لأن التسريب المهني بمثابة استعمال المضادات الحيوية دون انتظام وبالتالي عدم فعاليتها لأن المرض يكون قد تعرف عليها وبالتالي لم تعد مجدية معه.

وفي الآونة الأخيرة أصبح التسريب المهني للأسف ثقافة عند البعض واختلط عليهم بمفهوم "السبق الصحفي" رغم أنه لا علاقة عضوية ولا بنيوية بين المصطلحين، حيث أن السبق الصحفي يعني التمكن من الوصول لمعلومات صحيحة "وصدقة" عن خبر أو ظاهرة معينة دون أن يكون التوصل بهذه المعلومات منافي للقانون أو الأخلاق المهنية، وفي المقابل التسريب المهني هو التمكن - بحكم المهنة أو الصلاحيات الوظيفية - من الوصول لمعلومات معينة سرية ونشرها بغض النظر عن تقدير الضرر المترتب على هذا التسريب.

وكثيراً ما يقع البعض من الموظفين في خطأ تسريب معلومات مهنية للصحافة أو وسطاء يسربون بدورهم هذه المعلومات للصحافة.

إن التسريب المهني قد يقع مع سبق الإصرار والترصد وذلك من خلال تصارع أقطاب معينة أو لوبيات تقوم بإفشاء بعض الأسرار بهدف الإضرار بالجهة المنافسة أو تشويهها واظهارها بمظهر الخائن للأمانة.

وفي الفترة الأخيرة انتشرت شائعات كثيرة حول وقوف بعض الجهات داخل النظام وراء عمليات التشويه لبعض القطاعات الحكومية وحتى الأحزاب والشخصيات السياسية بغرض اضعافها أو النيل منها وتشويه صورتها، وذلك ببناء شبكات علاقات عامة (حديث الصالونات) لنشر الغسيل الداخلي جهات معينة وتسريب بعض المعلومات للصحافة، وفي هذا الإطار كان جليا توجس الوزير الأول من هذه الحملات التي أشار إلى أنه على علم بوجود بعض هذه الحملات التي استهدفت الدولة وبرنامج الحكومة وحاولت تشويه شخص الوزير الأول وحكومته.

وفي سياق متصل تسبب قرار وزارة التهذيب الوطني الأخير القاضي بفصل مجموعة من الموظفين بالمصالح المختلفة التابعة للوزارة بضجة كبيرة في الحقل الإعلامي، حيث اعتبرت مجموعات كبيرة من الصحفيين الذين يشغلون مناصب في مصالح وزارة التهذيب وتم تحويلهم أو فصلهم من مناصبهم بدعوى "عدم التقيد بواجب التحفظ" "التسريب المهني" هذا الإجراء دليل واضح على تراجع الدولة عن الحريات الصحفية ونوع من السعي إلى تكميم الأفواه والضغط والاستهداف للصحفيين، وذلك عن طريق توجيه اتهامات واهية لهذه المجموعة بتسريب مداولات ومعلومات تدخل في إطار السر المهني الذي يجب أن يظل بعيدا عن التناول خارج الإطار القانوني المحدد، الوزارة من جانبها أكدت على أن القرار يستند إلى القانون ولا علاقة له بالحريات العامة ولا الخاصة ولا الصحفية حيث أن القرار جاء كأي إجراء إداري اتخذته وزارةٌ لها كامل الصلاحيات في تحويل أو فصل أي موظف تحت إمرتها بما لا يخالف القانون والضوابط التي تنظم العلاقة بين الموظف والوزارة.

مجموعات كبيرة من المتضررين من القرار اعتبر أن القرار قرار كيدي مفضوح يسعى لتكميم الأفواه واقحام الصحفيين في وسط العاصفة التي تمر بها الأغلبية وخاصة ما وصفه البعض بالصراع الصامت بين الوزير الأول ورئيس الحزب الحاكم، في مقابل ذلك اعتبرت أصوات من خارج وداخل الحقل الصحفي على أن القرار مهم جدا ولم يستهدف أحدا وإنما هو إجراء إداري بحت.

كما رأى بعض المراقبين أن  القرار اتسم ببعض الأخطاء الفادحة حيث تضمن اسم أحد عمداء الصحافة الذي أكد في تصريح صحفي على أنه قدم استقالته منذ فترة طويلة من قطاع التعليم والوظيفة العمومية حتى يتسنى له التفرغ لمهنة الصحافة التي اختارها كمهنة له.

بعض المراقبين اعتبر أن إجراء الوزارة بفصل أو تحويل بعض موظفيها إجراء صائب حيث أنه من غير المنطقي ولا المقبول يضيف - مراقب-  أن يكون هناك حاجة ماسة لمعلم في إحدى المدارس في حين أنه هناك جيش من المعلمين في حالة "تفريغ" يشغلون مناصب إدارية ليست هي أساس اكتتابهم أصلا بالوزارة ويمكن أن يشغلها غيرهم من عمال الوزارة من غير المكتتبين أصلا كمعلمين.

كما يرى آخرون أن وجود مجموعة من الموظفين العموميين في حالة "تفريغ" نوع من الفساد والممارسات التي تعيق الإصلاحات الإدارية وتبذير للموارد البشرية وإعاقة للوزارات التي يتم تكديس هذه الجيوش من المفرغين بداخلها كنوع من التغطية على التهرب الوظيفي وبالتالي المساهمة في خلق نوع من الخلل يؤدي بدوره إلى تفشي التسريب المهني وخيانة الأمانة.

من جانب آخر ارتفعت أصوات ونداءات من مناطق عديدة بولايات الوطن تطالب بمعالجة النقص الحاد في المعلمين والأساتذة وهو ما اعتبره مراقبون دليلاً واضحاً على ضرورة تنقية الوزارات من ظاهرة "المعلم المفرغ" و " الأستاذ المفرغ" من أجل سد النقص الملاحظ وكذلك محاولة لمعالجة ظاهرة "التسريب المهني" الذي تذهب أصابع الاتهام به بالدرجة الأولى للمعلمين الصحفيين!

بالعودة إلى الظاهرة يعتبر التسريب المهني عمل مشين وغير أخلاقي وتهديد للبرامج والاستراتيجيات بمختلف القطاعات الوزارية والإدارية بالدولة، ولا يمكن لأي سياسة تنموية أو صحية أو تعليمية أن تنجح في ظل انتشار واسع لكل المعلومات والبرامج والمداولات والاستراتيجيات بفعل وجود هذه الظاهرة الخطيرة.

يظهر جليا في الآونة الأخيرة من خلال بعض الإجراءات توجه الدولة إلى الأخذ بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الخروج على واجب التحفظ وتعريض أسرار الدولة وأسرار المهنة لخطر التسريب المهني، حيث تم مؤخرا إقالة بعض الموظفين بالرئاسة وبالوزارة الأولى نتيجة لهذه الأسباب.

إن الدولة تملك من الوسائل والقوة ما يمكنها من محاربة ظاهرة التسريب المهني، إلا أن الإجراءات التي تتخذها في حق المتورطين تبقى حبر على ورق إن لم تشفع بصرامة وعدالة وشفافية في الإجراءات.

7. فبراير 2018 - 7:41

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا