لا يخفى على أحد ما تعرض له وطنُنا العربيّ من تدمير ممنهَج، في السنوات الأخيرة (بصفة خاصة). لم يقتصر هذا التدمير على إبادة مدن بكاملها وقتل سكانها وتشريد مَن بقي منهم على قيد الحياة، بل شمل تدمير الأمن والاستقرار، تدمير الشعور بالطُّمأنينة، تدمير الهُوية، تدمير القِيم الفاضلة، تدمير اللغة الوطنية، تدمير العادات الحسنة والتقاليد المرعية، تدمير الأمل في حياة كريمة، تدمير معنويات المواطن العربي، تدمير الشعور بالانتماء إلى وطن عربي كبير
(ممتد من المحيط إلى الخليج)... تدمير الثقة بين المرأة والرجل، بين المرء وزوجه، بين الأخ وأخيه، بين مكونات الشعب الواحد، بين شرائح المجتمع ومكوناته، بين الحاكم والمحكوم، بين الموالاة والمعارضة السياسية، بين أجنحة الحزب الواحد، بين أعضاء الحكومة، بين المواطن والحكومة، بين المواطن والمعارضة، بين دولة عربية وأخرى...لقد فقدنا الثقة بلغتنا العربية التي هي وعاء فكرنا وسجل تراثنا، فقدنا الثقة بالعلماء والمفكرين والمثقفين والكتاب والمدونين العرب...فقدنا الثقة برب الأسرة وبالأسرة نفسها ومكانتها الاجتماعية، بالمعلِّم وبالتعليم في أقطارنا العربية، بالطب وبالطبيب العربي، بالدواء العربي، بالتاجر العربي... والقائمة طويلة.
بعد هذه اللوحة القاتمة، المتعلقة ببعض آثار تدمير العالم العربي، نجد الآن من يرفعون شعار: "إعادة الإعمار" !
من ذلك، على سبيل المثال: إعادة الإعمار في العراق...في سورية...في غزة، إلخ.
الأسئلة المطروحة: هل بالإمكان-عن طريق "إعادة الإعمار"-أن نعيد إلى الحياة ما قُتِل من بشر، وما "دُمِّر" من "ثِقَةٍ"... ؟
ألم يخطر ببالنا أن هناك أشياءَ يستحيل بنيانها، بعد هدمها؟
وهل نسينا أو تناسينا أننا ساهمنا، ونساهم-بطريقة أو بأخرى-في مسلسل التدمير الذي لا أحد يتنبأ بنهايته ولا بمآلاته ؟
والسؤال الكبير الذي نترك جوابه للمستقبل:
متى يتغلب أصحاب القرار في الوطن العربي على خلافاتهم الضيقة ويوحدوا جهودهم نحو البناء والتعمير- على أسس قابلة للاستمرار- وبذلك تنتهي عبثية "التدمير وإعادة التعمير"؟ !