مفهوم الإرهاب ومفهوم الجهاد / محمد سدينا ولد الشيخ ولد أحمد محمود

الإرهاب مصطلح غامض جعلت منه بعض الدول وسيلة لملاحقة كل من يريبها حتى ولو لم تنهض ضده أدلة جنائية، وقد تستغله ضد خصومها السياسيين حتى صار لكل دولة تصنيف إرهابي يتصادم مع تصنيف منافستها في أغلب الأحيان.

وفي ظل تفاقم الظاهرة الإرهابية تقود دول حملات إعلامية للثناء على دور شخص أو جماعة تصنفهم دولة أخرى كغول إرهابي غير محكوم بضوابط.

وبين هذا وذاك يضيع الشباب المسلم الباحث عن الجهاد والذي تجمعه فكرة عداوة دولة إسرائيل التي تحتل مدينة القدس وتنكل بالفلسطينيين، وهي مدينة لها ارتباط بتناسخ الديانات السماوية عبر الزمن وقدر الله لصاحب السلطان عليها أن يكون القوة المهيمنة في العالم.

ذلك الوصف يصدق على دولة إسرائيل حيث تشكل أغلب سكانها من جاليات مهاجرة من الدول العظمى، ما جعل تلك الدول ترتبط بها ارتباطا خاصا وتعادي حملة فكر إزالتها وتصنفهم مرضى لا علاج لهم سوى قطع الرؤوس، لكنها لا تتولى ذلك بنفسها في أغلب الأحيان ما دام المكفى سعيد.

حملة فكر إزالة إسرائيل تقاتلوا فيما بينهم ولم يبق على رب العمل سوى توفير السلاح لكل فريق، ومع هذا فالأجير هو من يدفع مقابلا عن كل قتيل.

هذا الواقع المرير حملني إلى كتابة تدوينة على الفيسبوك تضمنت: أن الدول التي تحارب الإرهاب هي التي تصنعه، ما دام جزءا من تلك الدول قد يروج لأيديولوجية ما يعتبرها البعض الآخر إرهابا، وجزءا يعمل على خلق ظروف طاردة للشباب، وجزءا يوفر السلاح والمعلومات اللازمة لحصد أكبر كم من الرؤوس البشرية.

لعنة هذا الغول الإرهابي لم تكن حكرا على زماننا بل ظهرت في زمن التابعين على شكل جرائم الخوارج الذين تأولوا تأويلا حرف الكلم عن مواضعه إلى حد معاملة المسلم المعارض لهم ككافر محارب، ولهذا لم ينج بعض المسلمين من بطشهم رغم نطقهم للشهادتين مع حفاظهم على صلواتهم وزكواتهم.

وما دام الخوارج تعاملوا مع المسلم بتلك الطريقة فمن المؤكد أنهم تعاملوا بها مع الذمي والذي كان في عهد ذلك المسلم، والمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم.

تلك المنكرات حاول الصحابي عبد الله بن عمر تغييرها دون جدوى، وهي منكرات من ضمنها تكفير الخوارج للإمام علي رضي الله عنه الذي منعهم من معاملة المسلمين الخارجين على طاعته في الشام معاملة الكفار فلم يسمح بسبي النساء والأطفال، ومع هذا استمر ابن عمر يحضر معهم الصلاة ولم يكفرهم.

الغول الإرهابي الذي يقتل دون سبب كانت إيديولوجيته مستساغة من طرف عدو الخوارج الأول الحجاج ابن يوسف الثقفي سيف بني أمية، ما جعل الصحابي عبد الله بن عمر المذكور يستهجن أفعاله وأقواله التي لم ينج منها بعض الصحابة بل طالت المساجد التي حمل فيها السلاح كما حمله في الأشهر الحرم، وهي ظروف زمانية ومكانية يحرم فيها حمل السلاح.

ورغم معارضة ابن عمر للحجاج لم يكفره وكان يحضر معه الصلاة كذلك إلى أن غدره وقتله مسموما.

ومما روي عنه رضي الله عنه في موقفه من الحجاج والخوارج قوله: إذا دعيت إلى الصلاة أجبت وإذا دعيت إلى القتال جلست.

والغول عند العرب والمسلمين مختلف في أمره لأنهم لم يحسموا مواقفهم منه هل هو حقيقة أم خيال؟

وبما أن الإرهاب اليوم غول بما في الكلمة من معنى فإن العالم الإسلامي بطوائفه المختلفة صنفه اليهود كغول يريد تدمير الأرض، وأشاعوا أن أهدافه مخالفة لأهداف الرسالات السماوية روحيا وماديا، وأن خطره يهدد الحضارة البشرية وينبغي تدميره، وكانت أنجع وسيلة لذلك هي الإرهاب البيني.

دعوة اليهود استجاب لها سياسيون يمينيون في البلاد التي عاشت هزائم أمام الجيوش الإسلامية زمن الفتوحات، وهي بلاد لا يزال فيها من يراوده حلم الانتقام وكراهية المسلمين، وبذلك وجدوا في تهمة الإرهاب الحل السحري، وخلطوا عمدا بين الإرهاب والجهاد لتشويه صورة الإسلام.

وبموازاة ذلك استغلت عصابات الجريمة المنظمة راية الجهاد بشكل مريب ولطختها بأفعال همجية باسم الدين الإسلامي، والدين الإسلامي منها براء إلى حد استهداف الركع السجد في المساجد والكنائس. وهي عصابات لها مذاهب شتى وبعضها تتبناه دول وبعضها نشأ بسبب ظروف أخرى.

والفرق بين الجهاد والإرهاب أن الجهاد قسم من أقسام المعرفة كان ولا يزال موجودا في عقيدة الإسلام، وبه تمت هزيمة حملة الأفكار التخريبية المدمرة للحضارة البشرية وهم أتباع كل نهج يعارض أداء بني آدم لأمانتهم التي كلفهم الله بها حين استخلف آدم في الأرض وأمره بإعمارها روحيا وماديا بالعبادة، وهي المهمة التي عارضها الشيطان ووضع على عاتقه  إفشالها بما في ذلك العمل على إشعال الفتن بين الأفراد وبين الجماعات حتى مستوى حرب الحضارات وهي فردوسه المفقود.

الجهاد إذاً لا يكون إلا باتباع القواعد التي بين الأنبياء كطريق لنصر الله على الشيطان، وهي القواعد التي مكنت جند الله من هزيمة أولياء الشيطان من أعداء الله فقتلوا رجالهم وسبوا نسائهم وأطفالهم،وكان الشيطان ضلل بعض أهل الكتاب جاءتهم البينة التي عرفوا بها أن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم دين حق هدفه تصحيح مسار دينهم الذي تعرض للتحريف من قوم كتبوا الكتاب بأيديهم ثم قالوا هذا من عند الله.

وكان على أهل الكتاب واجب إتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، غير أن ثلة من اليهود سلكوا طريق الشيطان الذي أمرهم بالتعصب للخطأ فسخروا معلوماتهم من الكتب المقدسة للصد عن سبيل الله وحرب نبيه ومجادلته والتحريض عليه، ودعاهم الشيطان للاستعداد لقتال النبي فاستعدوا وجمعوا الأحلاف وعقدوا معهم العهود وتجسسوا على النبي الذي عاهدوه عهدا صوريا تمكنوا به من التجسس ومخالطة المنافقين، ففضح الله أمرهم بعد هزيمة الأحزاب.

كان حكم الله في تلك الثلة قتل رجالها وسبي نسائها وأطفالها كما بينا، وهو حكم بديل عن مسخهم قردة كما حصل لأعداء الله من أمم أخرى.

عاقبهم الله بتلك الطريقة التي كانت بديلا كذلك عن خسف الأرض بهم، وبديلا عن إرسال الرياح الصرصر العاتية أو الطوفان الذي هلكت بها أمم أبيدت حتى لم يبق منها نساء ولا أطفال تنبعث منهم إن أسلموا وتحرروا.

هؤلاء النساء والأطفال صاروا عبيدا بقدر من الرب المعز المذل الذي اختبر العبيد وأسيادهم وابتلاهم لتظهر طريق الحرية في الإسلام الذي هو دين رغب في تحرير العبيد إن جاهدوا أنفسهم جهادا يوصلهم مرحلة الإيمان التي تمثل قسما من أقسام الدين الإسلامي أمن واصله كيد الشيطان الذي قاده إلى الهلاك أول مرة.

هؤلاء العبيد كان من حظهم أن الله لم يقطع دابرهم لأنهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي لا تهلك بما هلكت به الأمم الأخرى وإنما تهلك بالتحارب البيني إن تخلت عن واجب الجهاد الذي يبدأ بجهاد النفس كي لا تميل إلى طاعة الشيطان وتحكيم الهوى،فالهوى والشيطان هما السببان الوحيدان لانتشار الظلم في العالم.

ومن الغريب أن سنة الله في خلقه قضت أن تكون الأسلحة المستخدمة في هذا الزمان أسلحة شبيهة بالصواعق والرياح الصرصر وغيرها من المهلكات التي هلكت بها أمم أخرى فتهلك بها هذه الأمة التي تخلت عن واجب الجهاد ليكون في ذلك تجل من تجليات عدل الله بين الأمم. ومهد الرب تعالى لذلك بتسلط أولياء الشيطان من هذه الأمة وتمكينهم فعاثوا في الأرض فسادا واجتمعوا لحرب المسلمين كما تجتمع الأكلة على قصعتها.

من هذا يتضح أن الجهاد يختلف عن الإرهاب،مادام الإرهاب يخدم أولياء الشيطان من أعداء المسلمين، أما الجهاد فهدفه توحيد الله والعدل بين الناس ووقف ظلم الظلمة واستكبارهم في الأرض بغير حق، وأكبر ظلم هو الشرك بالله الذي مدنا بجميع النعم.

إن قواعد الجهاد لا تسمح بقتل الكفار إلا إذا اعتدوا أو نقضوا عهد الذمة أو حاربوا جيوش الفتح الإسلامي وتلك الجيوش لم تقاتل زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلا بعد رفض طغاة الكفار الاستجابة لرسالة الإسلام وتماديهم في ظلم رعيتهم ورفضهم الاحتكام للعقل والصلح أو عقد معاهدة سلام يعطوا بموجبها الجزية فيضمن لهم المسلمون أمنهم وحسن الجوار وحرية التبادل الاقتصادي والثقافي لعل ثقافة العدل تتسلل إلى مجتمعهم فيتوقف الظلم إن كانوا أهل كتاب وينهار حزب الشيطان إن كانوا من غيرهم.
أما من ينقض تلك العاهدة بعد توكيدها أو يستغل فرصتها لجمع معلومات حربية في إطار تحالف يعقده مع أعداء المسلمين فلا يكون له علاج، خاصة إذا كان من أمة كتابية تعرف معنى العهد والميثاق.
وفي جميع الحالات التي يتوجب فيها القيام بالجهاد لا يسمح به إلا بعد صدور إعلانه من سلطان مسلم هدفه تخليص الكفرة من الشيطان الذي استولى عليهم بعد يأسه من معالجتهم بالطرق السلمية،أي أن قرار إعلان الجهاد يستحيل أن يكون مبادرة يتخذها من هب ودب.

العداوة بين المسلم والكافر إذا ليست بطبيعتها عداوة بين فئتين من بني الإنسان فيما بينهم وإنما هي عداوة بين بني الإنسان من جهة وبينهم والشيطان من جهة أخرى،وعليه يلتزم المجاهد بالتوقف عن قتال الكافر بمجرد نطقه الشهادتين ولو كان المسلم واثقا من تفوقه على الكافر في ذلك النزال، لأن الهدف ليس الانتقام كما قد يتصور البعض.لكن إذا تبين بعد حين أن الكافر إنما أعلن إسلامه غاشا فإنه في هذه الحال يعامل معاملة المرتد بعد رفضه التوبة.

الجهاد لا بد إذاُ أن يكون خالصا لوجه الله بحيث لا تكون الدولة التي تعلنه تهدف منه إلى أمور ليست لله، كما لا يمكن أن يكون محرك المجاهدين ثأر أو عداوة أو أطماع مادية، فالقتال لنيل مثل تلك المآرب هو الإرهاب بعينه.

واليوم شرعت شرائع الهوى لمنفذي بعض الهجمات الانتحارية ظلم أنفسهم وترويع الآمنين وتجاهلوا أن الرب تعالى لا يعجزه هلاك الكفار بما أهلكهم به من قبل حين غضب على كفار أمم سابقة، لكنه امتحن هذه الأمة بالصبر على الدعوة والموعظة الحسنة ثم بالجهاد إن تحتم لصد كيد الشيطان.
والجهاد لا يكون ما لم يكن مستوفيا لجميع الشروط المحددة في شرع الله، ولم تصرف خارج ذلك الإطار يكون مشرعا لنفسه متبعا للهوى.

ومما يندى له الجبين كون أمتنا تساق إلى الموت بصراعات بينية يذكيها حكام وأمراء حرب وعصابات وجه المسلمون منهم قوتهم العسكرية إلى الشعوب بدل توجيهها إلى حزب الشيطان فضاعت فكرة توحيد المسلمين في كبة المعركة وصارت تلك الفكرة إرهابا يهدد سيادة الدول الوطنية ونفوذ الحكام،ليصنفوا حاملها بين الإرهابيين أحيانا وبين المجانين في أحيان أخرى حسب مستوى تأثيره. 

ومن الجدير بالذكر أن الجهاد لم يأمر الله به المسلمين حين كانوا في مكة التي كان أغلب سكانها كفرة ولم يكن وقتها بينهم منافق. ولم يأمر به تعالى ضد بلاد الحبشة حيث ملك عادل لا يظلم عنده أحد. وإنما أمر به في المدينة التي ظهر بها منافقون والتي شهدت أيضا نشأت الدولة التي لا تسمح بالتمرد الذي هو الردة.
 

21. فبراير 2018 - 0:55

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا