شگار : مرآة الواقع وصـرخة الطفل البريء ! (1 ) / محمدالمصطفى الولي

ثمة أماكن ومدن قدتبدوا جميلة أومؤثرة بطبيعتها وفي ذاتها ، وعريقة في تاريخها ..... إلا أن لمدينة " شگار " معظم الجمال والتأثير وسحر الطبيعة وخالص الود والمحبة .

في ليلة من ليالي حزيران الدامية بنكئها جروح الطبيعة بنوعيها المادي والمعنوي ، شاءت الأقدار أن تدلف إلى رحم الظاهرة نطفة من ماء أخرجته القوالب من صلب الواقع المباشر متدفقا في مشهد يفتقر إلى كل تعبير أوتأثر أوتعجب ..!

 أنا أبصره وأنت تتخيله وهي تكاد تتجرعه لولا مجيئها المخاض إلى جذع النخلة ، قد تصدق العاطفة وتفيض من شرارة الإحساس مناسم الوجدان ، لكن أضعاف الثلاثين ألفا راحت تعبر عن نقمتها وسخطها وذالك بإخلاص لدى تلهب الضلوع لنفوسهم نجيا ، وبالتعبير الراقي لن تكون تهم الإنسان في كل زمان ومكان طريحة الفراش أو حديث ذكرى أومناسبة تتناقله فلاسفة الحب والجمال رخمي الصوت على مائدة الشاي " الأتاي " وسط دخان صفيف شواء البراكنة " مشوي ألاك " تحت الخيام أو الأكواخ وربما في الهواء الطلق ، يرمون بالأمانة على حقف رمال متناوحة النكب في مجابات صحراء هينوم ريحها يتذاءب من كثرة الأفاكين والمرابضين .. وماستر هناك يفضح هنا !.

دائما وفي ظلام ليالي حزيران المركوم خرج الطفل نفسه يتسكع في ديار الولادة ويمشي على رمال أرضه الأثيثة الممهدة بقدرة قادر ، يروض من المعارف ماتعاصى على أشياخ غر صباح لهم مجد تليد مايعلمهم إلا قليل ، يصلون خمسهم في الجماعة حيث ينادى بهن ، وينتظرون الصلاة بعد الصلاة ( فذالكم الرباط فذالكم الرباط فذالكم الرباط ...) ، يتلون القرءان ويعلمون الأجيال على ضوء النيران الموقدة لإرضاخ النوى بالنهار ، قوم تحابوا بروح الله تعالى على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها ، لفراق من قضى منهم نحبه  شكت المنابر ونعت المحاريب وتوحشت المكتبات وبكت السماء والأرض ، وتأيمت الأرامل والمكرمات ، وأنت الأقوام لفقدهم .

إنها الأربعين اكتملت بل ربما زادت وغابت معها كواكب المنون في عنفوانها واختلطت الأفراح بلغط النساء العائدات من رحلة الشتاء والصيف " أرواي " لايعول في الدنيا يومها على رجل ، دارت رحى الأيام وبدى الفرق جليا " دهر يغر وآمال تسر " ، أرخىى زمن الصبابة طرفه خيلاء وبدأ الطفل يضحك ببراءة بين أطفال " أهل لخيام " المنتجعين قرب المدينة ماتبقى من أعشاب جافة وبرك مياه تردها الدواب وكثير من الناس .

في ذالك السكون الصاخب بدأت أنشودة المستقبل تغني بغد مشرق في قرية صغيرة تنام على أحقاف " أگان " بين أشجار الغضى وطلح السهول القمرية وقتاد الأودية المتداخلة الأغصان في مسلك فريد ، هنا ! الأرض حالمة والأمواج ثائرة والبرد قارس والعواصف هوجاء ، والقلب في شكله الصنوبري لايعرف الخنا ولايمل الجمال وتلك الأغاني التي طالما أنشدها خوف الفناء في جزيرة منعزلة لايمكن أن يصل إليها إلا عن طريق الخيال وحوار المعاناة والطموح :

كان الربيع الحي روحا حالما * غض الشباب معطر الجلباب

يمشي على الدنيا بفكرة شاعر * ويطوفها في موكب خلاب

والأفق يملأه الحنان كأنه * قلب الوجود المنتج الوهاب

والكون من طهر الحياة كأنما * هو معبد والغاب كالمحراب

والشاعر الشحرور يرقص منشدا * للشمس فوق الورد والأعشاب ...

لاكآبة لاقلق ، لا صخب لاظلم ، لاضجر لاعدوان ...  لاشيء ، العلم والعلم وحده سكينة الطفل البريء الذي لم يكتب التهجي — جريا على سنن  القوم — إلا بعد عقد من الزمن ! ، وفي شهر آذار من خريف الجيئة والإياب إلى المدينة ألقت عصاها نقطة البداية وبدأت الفضيلة تكبر مع أول عناق روحي جمع بين الدواة والقلم و الطفل المعتقد البديهيات حقائق يقينية كتبها المحيط على صفحة لوح خشبي مثقوب الجانب علقته الأجداد على ظهور العيس كالثغر يضحك ببكاء الأزهار من عيون المطر وانهمالها الرباني الوافر ، لايحسن سوى التحليق على غوارب اليعملات وماانسفل في تباين من كل دابة خلقها الله من ماء ( فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله مايشاء ... ) يوردها المشارع ويرعى سوامها مجدعة سقبانها وهي بهل ... تحت نور كواكب سيارات ذوات سنا وسناء  ، في فذلكة زمان لم يعد فيه إلا مقامات تعانق بحناء غيوما تلبدت بالغاب واستبشرت بزوايا الأرض الحالمة .

26. فبراير 2018 - 8:56

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا