شهد العلم العربي ميوعة في القيم وانكسارا في نماذج التفكير وفشل في مساعي الوحدة ومشاريع التنمية الواعدة ،
وانتعشت فيه الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة الشيء الذي يذكي شرارة السؤال الملح حول دور ومهمة المثقف
في الوطن العربي ، ويدعو دون مواربة أو تهيب إلى ضرورة إعادة النظر في العلائق التي تربط المثقف بالدولة
و السلطة والمجتمع تلك العلاقة المترعة بالسلبية في معظمها وبالعقم في أغلبها .إن المثقف في فضائنا العربي منقسم
إلى فسطاطين : مثقف طوبائي حالم ،مرتمي في أحضان السلطة يستمرئ عطاياها ،ويدافع عن فشلها ،ويبرر إخفاقاتها،بل
ويرى فيها انتصارات غير مسبوقة . ومثقف معارض محارب من طرف السلطة يحصر همه في اصطياد العبارات النابية
و الخطاب العاطفي، والصفات القدحية لينيطها بالنظام ، معطلا طاقاته الفكرية وقدراته السياسية على اجتراح مقاربات إجرائية
تجعل منه قبلة للجماهير. وفي كلا النموذجين تكون المحصلة واحدة وهي الفشل والهامشية .
ومن أسباب فشل المثقف أنه يعمل بغير أدواته ، ويساجل بغير خصوصياته ذلك أن هوية المثقف هي إنتاج الفكر
وصناعة المعنى أي خلق واقع فكر جديد ، ولو بتغير مناخات التفكير وتبديل مجالات النظر.
إن سيف المثقف سيظل يحز في غير مفصل طالما راهن على إقحام مقولات بائدة وبطريقة تعسفية على واقع حي
ومتحرك وعليه فإن الجهد المستجمع في سبيل قولبة الواقع السيال على مقاسات مقالات جامدة محكوم عليه بالفشل
فالواقع عنيد وصلب ولا يتأتى تغيره إلا عبر نسج علاقات جديدة معه ، بتغير أفكارنا حوله ، أو بإعادة صياغته على
مستوى الفكر .ذلك ما ذهب إليه المفكر اللبناني علي حرب في كتابه { أوهام النخبة }
على المثقف أن يعي أنه فاعل فكري بالدرجة الأولى مطالب بخلق بيئات فكرية وعوالم مفاهيمية تشكل أرضية خصبة
للتفكير والتدبر، وليس مطالبا بالجمود على قاعدة { ليس في الإمكان أحسن مما كان } .