رغم شكي في حقيقة الأزمة التي يتحدث عنها البعض في البلد إلا إني متأكد أن الوضع يمكن أن يكون أفضل مما هو عليه شريطة أن يتخلى البعض عن تغليف أهدافه وطموحاته بغير حقيقتها.
لقد كانت نتائج الحوار في جلها ايجابية بالنسبة لي على الأقل وقد لا أجافي الحقيقة عندما أقول إنها كانت استجابة لمطالب قديمة ـ من قبيل منع الترحال السياسي ـ لم تبذل المعارضة التقليدية حينها الجهد اللازم لتحقيقها، لانشغالها بالسباق لقطف ثمار اعتقدت أنها مستحقة، لنكتشف بعد ست سنوات ونيف أن إرساء ديمقراطية حقيقية ينبغي أن يمر عبر الطريق نفسه الذي رفضه البعض سابقا، بمعنى أننا ضيعنا الوقت والجهد فيما يفترض ان يكون قد تم تجاوزه بداية إعادة تأسيس الجمهورية أغسطس 2005.
شيء آخر يدفعني للتأكيد على أن الأزمة التي يتمناها البعض أكثر مما هي واقع، في جل معالمها مختلقة كأزمة المعهد العالي إذا ما سمحت الجامعة الإسلامية بتسجيل طلاب المحاظر من غير حاملي شهادة الباكلوريا، ونفس الشيء ينطبق على قضية لا تلمس جنسيتي إذا ما استثنينا التصرفات المتشددة لبعض لجان تحديد الهوية التي لا تعبر عن سياسة حكومية تهدف إلى إقصاء شريحة الزنوج المشكلة لجزء معتبر من نسيج هذا الشعب وتستحق عناية خاصة ـ دون ابتزاز ـ بناء على مظالمها التاريخية.
أما ملف الرق فتلك هنة تطارد مختلف الحكومات التي أدارت شؤون البلد لسبب لا أفهمه، رغم أن حل هذا المعضل لا يحتاج إلى مجهود كبير، فحملة إعلامية جادة يقودها الفقهاء من المساجد ورجال السياسة من المنابر الإعلامية جزء هام من الحل كفيل بتغيير العقلية التي يتعامل بها البعض في الإدارة والأمن والقضاء مع ملف العبودية التقليدية التي هي جرم يستحق العقاب بدل التعاطف ـ غير المقنن ـ الذي يحظى به بعض المتهمين تكريسا لفوبيا بنتها أنظمة سابقة تحول دون تفعيل الترسانة القانونية التي وضعت للقضاء على الظاهرة.
أما ما يمكن أن نعتبره مظهرا لـ"الأزمة" والأقرب للموضوعية والمتمثل في ارتفاع الأسعار فان الجهود المبذولة من طرف السلطات لتخفيف تداعياتها على الفئات الهشة من خلال خطة أمل 2012 لاشك ستؤتى أكلها خلال الأسابيع القليلة القادمة مما يفند صحة الحديث "المأزوم".
تلك أجزاء من صورة الأزمة "المتوهمة"، لكن هذا لا يمنعنا من القول إن السعي للكمال يبقى أمرا مشروعا من خلال العمل على تحقيق الأفضل، الذي هو ممكن؛ من هنا نجد أن فتح حوار جديد مع الرافضين سابقا له سيكون إضافة جديدة لا تقل قيمة عن قبول الدخول في مفاوضات داكار وحشرا جديد للمعارضة في الزاوية قد لا تكون على استعداد له و لربما يفقدها بعضا من زخمها الإعلامي، في انتظار اختلاق تأزيم جديد لن يستعصى على الحل إذا ما تجاوزنا الراهن.
أخيرا على للمشاركين في الحوار السابق أن يحفظ لهم ما أنجزوا للشعب الموريتاني في سبيل ترسيخ الديمقراطية، لكن عليهم أن يفترضوا حسن النية لدى الغير وأن يتفهموا أن للآخر الحق في المشاركة في ترسيخ هذا البناء حتى لو كان ذلك متأخرا.