لن تمر سانحة عن العربية دون أن نسجل بعض الملاحظات والتحديات التي تعوق تطويرها عالميا ومحليا، ولن تمر أي مناسبة حتى نعلن ونصدح بملء أفواهنا، ناصحين بما تبين لنا وبما نراه يخدم هذه اللغة الشريفة، التي لايدرك كنهها إلا من غاص في لججها، وتمتع بنفائس دررها المكنونة.
لقد ثبت من خلال استقراء العصور السالفة لدى المتخصصين أن عصر ازدهار اللغة العربية هو العصر العباسي، وعندما يتساءل عن أسباب ذلك الازدهار،
وأسباب تطور تلك الحضارة، يظهر أن الدولة العباسية اتخذت المشروع العلمي والأدبي مشروع دولة، فشجعت العلماء وقربت الأدباء، وأجازت على المؤلفات، وترجمت الكتب، فكان ذلك حراكا ثقافيا ولد خدمة اللغة العربية بكل علومها.
إن الدول العربية وإن اتخذت مجامع لغوية، وأعلنت في الدستور ترسيم العربية، واتخذت دورا لنشر الكتاب العربي، فإن ذلك دور لا يستهان به لمن قام به منهن، لاكنه لايكفي ما لم تصاحبه إرادة حقيقية في النهوض بهذه اللغة، وهو ما جعلها اليوم هشة في نفوس العرب، هشة في المقررات، هشة في المستويات، فالآباء اليوم يدرسون أبناءهم اللغات الأخرى بأهمية أكثر، واعتناء أكبر، مما ولد عند النشء عزوفا وازورارا عن هذه اللغة العربية، وتحاملا عليها واتهامها بالصعوبة والرجعية.
ومن جانب آخر فإن المدرس للغة العربية أصبح محبطا هو الآخر في ظل هذا التدافع اللغوي المقيت، وهذا التدني للمستويات، فغاب جهده هو الآخر في تحبيب اللغة للتلاميذ وتبسيط قواعدها عليهم، وذلك بممارسة الفعل اللغوي المتمثل في التدريس بها مشافهة دون وساطة من أي لهجة، فكل البيئات العربية بها لهجات، تجد أن المدرس يدرس بها اللغة العربية، فأصبح ذلك عامل غياب للسماع الذي هو الشرط الأول في حصول ملكة الطبع، وتذوق هذه اللغة.
لايمكننا في هذا السياق أن ننسى جهود بعض المنتديات الثقافية والجمعيات العربية، وحواضن الثقافة في الجامعات العربية في تنظيم مسابقات أدبية سنوية، وخلق ندوات وحوارات بالفصحى كان لها الدور في رتق بعض الجفوات، لكنها لا تكفي مالم يكن المشروع اللغوي مدعوما من طرف مؤسسات سيادية في العالم العربي والإسلامي.
إن المشروع الحضاري للأمة العربية والإسلامية لن يستطيع القيام والنهوض في شتى المجالات إلا برافعة اللغة العربية، وهذا ما يجب على صناع القرار فهمه، ويجب على القائمين على الثقافة العمل من أجله، لأن طمس الهوية والخصوصية هو في طمس اللغة، وأعتقد أن هذا ما فهمه الآخرين حين اجتهدوا في تعليم لغاتهم وتبسيطها ورقمنتها.
إن العيب ليس في اللغة وإنما في الناطقين بها إن وجد ناطق، رحم الله حافظ إبراهيم حين يصفها بقوله:
وسعت كتاب الله لفظاً وغــايــة *** وما ضقت عن آيٍ به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة ***وتنسيق أسماءٍ لـمخـتـرعــات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن*** فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
عيد سعيد لكل الناطقين باللغة العربية، وأبشرهم بأن القرآن سيجعل منها لغة ستظل ملء مسامع الدنيا رغم المرجفين.