فجأة وبدون تمهيد إذ بنا أمام اتفاقية تستهدف الثروة السمكية السطحية موقعة بين الدولة الموريتانية وشركة "كذاش..." ليحتدم النقاش بين مؤيد ومعارض وليختم الصخب بتمريرها داخل قبة البرلمان.
الاتفاقية يكتنفها الكثير من الغموض وصاحبها من اللغط أكثر من ذلك... فلا مؤيدوها وفقوا في الدفاع عنها بشكل علمي ومنطقي، لقد اختاروا الدفاع الأجوف والتبرير الأعمى... وكان بإمكانهم أن يجدوا فيها ما يدعم حجتهم لو بذلوا جهدا في الوقوف على بعض المعطيات العلمية، فحسب الاتفاقية فإن الكمية التي سيتم صيدها سنويا بموجب الاتفاقية تتراوح من 80 إلى 100ألف طن وعندنا وفي مياهنا الوطنية تصطاد الزوارق السنغالية ما يقدر بـ 300ألف طن سنويا بدون مقابل!!!. كما أن الصيد السطحي المنصوص عليه في الاتفاقية حسب بعض العلميين سوف يستهدف بعض الأنواع السمكية التي لا زال مخزونها غير مستغل مثل نوع L’anchois (Engraulis encrasicolis) والتي تشكل قيمة اقتصادية كبيرة ومخزونها في العالم يعاني فرط الاستغلال أو في حالة استغلال أمثل (FAO .2004) على عكس مخزونها في الشواطئ الموريتانية والتي يتم فيها صيد هذا النوع بشكل ثانوي ليتم تحويله إلى دقيق السمك... والطريقة الأمثل التي تلائم صيد هذا النوع من الأسماك هي تقنية chalutier à bœuf وقد نصت الاتفاقية على استخدامها عن طريق 5 سفن مزدوجة أي ما مجموعه 10 وقد سبق استخدام هذه التقنية في اتفاق مع الصين سنة 1996، وحسب بعض الباحثين العلميين فإن السفن العشرة المتخصصة في صيد الأعماق ستستهدف بعض الأسماك التي لا تعاني من فرط الاستغلال والتي يحتمل أن تكون ذات تأثير على مخزون الأخطبوط (المخزون الأكثر استغلالا والأهم من الناحية الاقتصادية) هذا طبعا إذا تم احترام الاتفاق، كان بإمكان نواب الأغلبية والمدافعين عن الاتفاقية تقديم معلومات من هذا النوع وهي متاحة لكنهم للأسف لا يبذلون جهدا في تدعيم حججهم بحقائق علمية، إنما يهتمون فقط بتمرير الممرر أصلا والمعطيات العلمية التي يركنون إليها في هذا المجال تثير السخرية كقول أحدهم إذا لم نتدارك ثروتنا السمكية ستهاجر إلى السنغال أو مالي على أن مالي لا شواطئ لها! أو كقول آخر :إن الثروة السمكية السطحية ثروة مهاجرة وإن لم نتداركها فستكون بين احتمالين إما أن تهاجر عنا باتجاه الدول الأخرى ليصطادوها أو تموت ليأكلها سمك آخر، وفي الحالتين لا نستفيد، ولقد ردت عليه إحدى زميلاته في البرلمان: "ليس بهذه العقلية تقيم الثروة السمكية السطحية، إنها دورة حياة سيدي النائب المحترم". كما أنه كان بإمكان المعارضين لها تقديم معلومات أخرى أكثر منطقية وعلمية بدل عبارات "اللعنة" و"الكارثة" و"الخيانة" التي تخفف من الغيظ المتراكم لكنها لا تنفع كتبريرات علمية منطقية... فمثلا حسب الاتفاقية في نسختها التي وقعها وزير الصيد ونشرها موقع cridem هناك 100 رخصة لسفن الصيد التقليدي والتي ستقضي نهائيا على صيدنا التقليدي بحكم الفارق بين القدرات الفنية والأخطر من ذلك أن الاتفاقية سوف تخلق سوقا صينية تشتري كل ما يتم تفريغه على الشواطئ بحجة تصنيعه مما يشكل خطرا كبيرا على السوق المحلية وعلى سعر السمك وبديلا عن الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك SMCP ولعل ذلك من الفوائد "المقنعة" لصالح الشريك، هذا بالإضافة إلى إن كل رخص الصيد الممنوحة والتي يبلغ عددها 152 كلها في سنة 2011 و2012 وفي ذلك ما فيه!!!. الاتفاقية تنص على أنها تستهدف الصيد السطحي - وهو مخزون لازال قابلا للاستغلال- ويعاني من لوبيات وطنية تستغله بدون مقابل ولعل الصين أكثر فائدة علينا من رجال أعمال لا يهتمون سوى بمصالحهم الضيقة على حساب ثروة الوطن... لكن الاتفاقية وبنصها سوف تستهدف صيد الأعماق الذي يعاني من فرط استغلال تجاوز 30% من المخزون القابل للاستغلال حسب نتائج الدراسات التي يقوم بها المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد IMROP وذلك عن طريق 15 سفينة لصيد الأعماق 5 منها بعد إنجاز الاستثمار على الأرض حسب نص الاتفاقية، يشار إلى أن عدد السفن الصناعية تراجع من 410 سنة 2002 إلى 185 سفينة سنة 2010 حسب مجموعة العمل 2010 المنظمة من طرف IMROP إذن الأسطول الصناعي الذي يستهدف صيد الأعماق شهد تناقصا معتبرا في عدد السفن بحكم عدة عوامل منها مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع الاتحاد الأوروبي وكذلك نقص في عدد الرخص التي تستهدف صيد الأعماق محاولة من الدولة الموريتانية للرفق بثروة سمكية في حالة صعبة، لكن للصين عندنا شأن آخر15 رخصة صيد في الأعماق الموريتانية!! في ظل تخفيض ملحوظ في عدد الرخص الخاصة بصيد الأعماق. باختصار نحن بحاجة لاتفاقيات تستغل الثروة السمكية القابلة للاستغلال لا تلك المستنزفة أصلا، بحاجة لإيجاد ثقافة تصنيعية وخلق قيمة مضافة للكثير من الأسماك السطحية التي تزخر بها شواطئنا ولم يتم استغلالها حتى الآن، لكن بشكل معقلن ومقنع وواضح عكس حالة الاتفاقية الأخيرة اللهم إلا إذا كانت هناك عائدات "مقنعة" لم يعلن عنها للملأ من قبيل (طائرات، دبابات... الخ كما أننا بحاجة إلى تنوير الرأي العام بالحقائق العلمية خصوصا في هذا المجال تلك الحقائق يتم تغيبها عن جهل - حال الكثير من المدافعين عن الاتفاقية- أو عن قصد - حال الحكومة الموريتانية- والضحية ثروة بلد منهك، أبناؤه أشد خطرا عليه من الصين والهند والسند وقادته لا تهمهم المعطيات العلمية، حكى أحدهم أن مسؤولا كبيرا في الحكومة الموريتانية سأله بعض السياسيين لماذا لا يتم تسديد رواتب موظفي المكتب الوطني للإحصاء فرد عليه: وما فائدة هذا المكتب فمهمته (الإحصاء) تقوم بها الحالة المدنية!!! من يفكر بهذه الطريقة البدائية لا يمكن أن ينهض ببلد مثقل بالإخفاقات التنموية.