تعود الديمقراطية في لحظات انبثاقها الأولى إلى الإغريق ، وقد منحوها تعريفا مغريا وفاتنا فهي تعني حكم الشعب نفسه بنفسه أو سيادة الجماهير و قد نامت الطبعة اليونانية من الديمقراطية ردحا من الزمن على رفوف التاريخ ولم تستعد ألقها إلا في العصر الحديث حيث اتخذت الشعوب الأوربية الناهضة من العودة إلى تراثها متكئا للإقلاع وعلى الرغم مما بالديمقراطية من عور فإنها تشكل آلية فعالة للحد من تنامي سلطة الفرد وتغولها لذلك سعت الديمقراطية
إلى تفتيت السلطة وحاربت مركزتها في يد شخص واحد أو طغمة قليلة من المتنفذين عبر مجموعة من المؤسسات وهي السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية . ومن أدوات الديمقراطية الهامة التناوب السلمي على السلطة عبر الانتخابات التي تعتبر صناديق الاقتراع هي الفيصل فيها والتي يفضي منطقها إلى سلطة تتشبث بالحكم عبر توكيل فعلي ، ومعارضة ناقدة وموجهة ومتحين للفوز في الدور التالي . تتشاور السلطة معها في أمهات القضايا الوطنية ،وتستعين بكفاءاتها لإدارة بعض الملفات و لا تحرم السلطة المعارضة ما خولها إياه القانون من امتيازات ولا تعتبر المعارضة في الديمقراطيات العتيدة وصمة عار ولا مخاصمة للوطن . وفي العالم المستهلك – ومنه بلادنا- المتعثر بفعل عساكره ونخبه : حيث يصر العسكر على افتكاك السلطة بالقوة وتواكب النخب ذلك المسار إن لم تباركه تحت تأثير الضعف عن المناجزة والتضحية أو الطمع التي يتخذ لبوسا دينيا يتخذ من بعض أئمة المذهب السني الذين يفلسفون السلم ويناصرون الهدوء على حساب العدل مرجعية له ! في هذا العالم المستهلك يتم استيراد كل شيء : الدولة –الديمقراطية ..... وتتم صورنة كل شيء وينقلب منطق الأشياء فبعد أن كان الشعب مصدر السلطة ، أصبح الوكيل يجب الأصيل وأصبح المتمسك بتلابيب السلطة ماعليه إلا أن يمتلك شيئا من الدهاء وقدرة على المسرحة والتمثيل حتى يصبح هو الوطن وهو الشعب وهو الكل في الكل .في العالم المستهلك الموالاة عبادة و تبتل وحب للوطن والتصاق به ، والمعارضة عار وشنار ومعاداة للوطن .من يصنف من ؟ هل هناك أهلية فكرية أو ثقافية أو حتى دينية بل وحتى شعبية تتيح لأي منا أن يصنف لآخر باعتباره خصما للوطن ومتربصا به الدوائر ؟! إن اتخاذ موقف معارض في ظل الأنظمة الاستهلاكية يعني النبذ والإطراح والإقصاء من كل خيرات البلد وامتيازاته فهما كان تاريخك ناصعا وحاضرك مشرقا ومستقبلك واعدا فإن ذلك لا ينجيك من لعنة المعارضة .إذا كانت الأنظمة الاستهلاكية جادة فعلا في إصلاح بلدانها ومحاربة مفسديها فما هو السر وراء تمنعها من إسناد ملفات هامة أو شبه هامة لقامات سامقة وكفاءات نادرة في المعارضة بدلا من إنتاج مفاعيل أنظمة بائدة أهلكت الحرث والنسل ؟! إن إعادة إنتاج نفس الأسطونة المشروخة ومحاولة ترقيع ملفات تتأبى بطبيعتها على الإصلاح ، وتجاهل ملفات أثبت التاريخ صلاحية بعضها وبعضها مازال ينتظر لن يفيد هذه الأوطان .
فما أشبه وضعية المعارضة في ظل الأنظمة الاستهلاكية بوضعية الأيتام في مآدب اللئام حيث لا صولة تخشى ولا فتكة بكر! فمتى ستتناصر نخبة البلد على إنقاذه ؟ ألم يحن أن ستستعد المعارضة للتضحية ؟ ومتى سيقتنع النظام أن المعارضة له لا عليه إن كان يعتبر نفسه الوطن حقا ؟