ثورة المستضعفون: حمى المرتزقة / بون ولد باهي

((ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)). قرآن كريم.
بهذه الآيات القرآنية المباركة، تم تفجير أول ثورة إسلامية في القرن العشرين 1979، قادت إلى هروب الفرعون إلى المنفى غير مأسوف عليه ولا على انجازاته ومشاريعه

 الكبرى والعملاقة، وشردت نخب لم تكن تعير اهتماما إلا لجيوبها. وكانت أول ثورة إسلامية في القرن السابع الميلادي قلبت النظام الاجتماعي رأسا على عقب، وضعت خطا فاصلا بين الحق والباطل، وجاءت بمجتمع إسلامي ساوى بين العبد والسيد، والفقير والغني، وكانت بالمعنى الدقيق عملية هدم لم يعرفها التاريخ من قبل لكل الأصنام والأوثان القديمة المتحجرة. سميت هذه الثورات بحق ثورات المستضعفين، لأنها جعلت منهم قادة منهم، ووضعت لهم نظما اجتماعية تحميهم من جور الآخرين وظلمهم بالحق أو بالباطل أو بهما معا.
تكرر هذا الأمر في المجتمعات الغربية عندما مكنت الثورة الانجليزية للشعب الانجليزي، والثورة الفرنسية للأمة الفرنسية. وقادت تلك الثورات إلى نظم الحكم المعمول بها اليوم: البرلماني، الرئاسي، وشبه الرئاسي. وإلى مجموعة من الضمانات والآليات التي تهم توزيع الثروة، والتداول على السلطة، وحرية الرأي والتفكير، وهي أمور أساسية لتحقيق المواطنة.
لقد كانت حاجة المجتمع الإسلامي إلى التغيير سواء في زمن النبوة أو في زمن السياسية، حاجة نابعة من أمراض النظام القديم في العهد الجاهلي والإسلامي معا، وكذلك المجتمعات الأوروبية التي كان انتقالها من عصور الظلام إلى عصر التنوير مكلفا وباهظ. وهذا هو حال مجتمعاتنا المعاصرة فحاجتها إلى التغيير نابعة من أمراض النظم الفاسدة. تلك النظم القائمة على الخداع، يعبر عن هذه السياسة بكل بساطة مسؤول موريتاني بقوله: (نحن نمارس السياسة). ولم يدرك هذا المسؤول بأن ممارسة السياسة مع الشعب تختلف عن ممارستها مع الآخر المفترض أنه عدو.
أكثر من مرة أتابع بعض الأشخاص عديمي الحياء يدافعون عن نظام انقلابي لا يتوفر على أي شرعية عدى شرعية الانقلاب، ولا يدركون أن دفاعهم هذا وكلامهم سيصبح من التاريخ. وأحيانا أشعر بخيبة أمل عندما أرى عجوزا يفترض فيه الصلاح والزهد يمتهن الكذب والنفاق والإساءة. ومن المفارقات مشاهدة مسؤول كبير منتفخ البطن يدافع عن فقير لا يملك قوت يومه. أو آخر يتهم الأبرياء بزعزعة الأمن والاستقرار وهو يكرس التفاوت الطبقي والفقر والإقصاء ويأكل أموال الناس بالباطل. هذا الشذوذ لم يكن جديد بالمرة.
لا يخف على أحد اليوم معاناة جميع الشرائح، التي لم يعد لديها أبسط شك في أن المستفيد من خيراتها هو مجموعة من الأفراد ينتقون بعناية خاصة كأدوات للتدجين. وهؤلاء هم من نهبوا خزينة الدولة وأفلسوها. وهم من يهددون بقاءها واستمرارها، فالمعروف تاريخيا أن سبب انهيار الأمم وزوالها الديون والظلم.
حراك الشرائح المزعج له دلالة عميقة، لا يفسرها سوى حرب هؤلاء على المستضعفين، وحمى الخوف من الزحف القادم التي أصابتهم بالهذيان بعد تهاوي كل الألاعيب والأكاذيب والخدع.


 

12. مارس 2018 - 9:05

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا